100%
نرمين المفتي
عندما تسقط القنابل، لا تنهار البيوت فقط، بل يختبر صمود الإنسان وسط الركام والدماء.
سنتان على المجزرة، وما زالت الجراح مفتوحة على مصاريعها.
مرت سنتان، والركام ما زال شاخصًا، كأضرحة بلا أسماء. سنتان والوجوه الصغيرة التي غابت لم تعد، والأمهات ما زلن يعددن أسماء أولادهن بصوت متهدج، خشية أن يُمحى وجودهم من الذاكرة، كما مُحي من الأرض.
المشاهد اليومية في غزة تتكرر كأفلام صامتة، طفل يجلس بين أطلال بيته الذي دمرته القذائف، امرأة تحمل وعاء ماء ثقيلًا عبر شارع مهدم، وأشجار الزيتون المحترقة التي تذكر الجميع بما كان يومًا أرض حياة.
في غزة، لا يمر الزمن كما يمر في بقية بقاع العالم. هنا، كل يوم هو امتداد ليوم المجزرة. الخيام تحل محل البيوت، والمرض يحل محل الدواء، والجوع يحل محل الموائد.
وحدهم الأطفال يصرون على الحياة، يرسمون مدارس من ورق، ويكتبون أسماء أصدقائهم الشهداء على الرمل كي لا يختفوا مرتين، بينما تتشبث العائلات بما تبقى من الصور القديمة، تلمسها وتهمس بأنها لن تنساهم.
مرت سنتان، وبعض الدول أعلنت اعترافها بفلسطين، في محاولة رمزية لكسر حاجز الصمت.
لكن غزة ما تزال تواجه آلة الموت وحيدة، والاعتراف لم يوقف القصف ولا رفع الحصار، ولم يترجم إلى حماية حقيقية لسكانها. الصمت لم يعد مطلقًا، لكنه ما زال فعالًا من القوى الكبرى المؤثرة، التي تواصل دعم النازيين الجدد، سياسيًا وعسكريًا، بينما يهمش الإعلام الغربي، في معظمه، معاناة المدنيين. هنا، بين الركام والدماء، تتجلى مأساة جديدة، هي الاعتراف الموجود على الورق، لكن الحياة ما زالت مهددة، والذاكرة الإنسانية ما زالت تهمل صوت الضحايا.
وبالرغم من كل شيء، تظل غزة شاهدة على صمود الإنسان.
نساؤها ينسجن من الرماد ما تبقى من الحياة، وأطفالها يتعلمون في خيمة ما لم يتعلمه كثيرون في أرقى الجامعات: أن الحياة تستحق أن تُعاش، حتى في مواجهة الموت.
سنتان من الإبادة، وما زال السؤال يلاحق العالم: هل صمود غزة يعني أنها لم تمحَ من الوجود؟ أم أن غزة هي المرآة التي لا يريد أحد أن ينظر فيها إلى وجهه؟