علي السومري
فنان ساحر، استطاع، منذ أول ظهور له، أن يخترق شاشات التلفاز ليصل إلى قلوب مشاهديه، بصوته العذب، ولهجته البغدادية المحُببة، وأدواره المميزة. كاتب مسرحي وتلفزيوني ورسام، ولد في بغداد عام 1926، مارس التمثيل أوائل أربعينيات القرن الماضي، حين التحق بأول فرقة أهلية. تخرج في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، قسم اللغة العربية في جامعة بغداد عام 1954.
إنه الفنان سليم البصري، والبصري لقب التصق به في صباه، لكثرة زياراته لتلك المدينة، لقب أطلقه عليه أصدقاؤه، فتمسك به اعتزازًا بناسها الطيبين. ملك الاسترخاء، صديق الكاميرات ورفيق النصوص، واللاعب الأمهر لأدواره، كيف لا يكون كل هذا، وهو الحلاق الذي مازال راسخًا في ذاكرة العراقيين، (حجي راضي)، الحلاق الوديع، الطامح لتعلم القراءة، الناصح لأصدقائه، والضحية الدائم لمقالب (عبوسي)!
من منا لا يتذكر واحدًا من أجمل مشاهد مسلسل (تحت موس الحلاق)، حين ترجم (حجي راضي)، العاجز عن القراءة، رسالة (غانم) لأمه، الطالب الذي غادر بلاده ليدرس في الهند، رسالة جاء في أول سطر فيها: "أمَسي الفريزة.. آاااه ديكي.. آزكي.. نحباني للو"، مشهد تدمع عيناك من الضحك عليه حتى يومنا هذا، بالرغم من مرور أكثر من 65 عامًا على تصويره، هكذا يكون الممثل خالدًا في وجدان محبيه. وهو أيضًا، (غفوري)، السيد الطيب النبيل، الذي وقع بين فكّي (قادر بيك)، و(اسماعيل جلبي)، في مسلسل (الذئب وعيون المدينة). كتب (البصري) العديد من الأعمال المسرحية والتلفزيونية، أبرزها (تحت موس الحلاق)، وشارك في العديد من المسلسلات والأفلام السينمائية. حتى اللحظة، ما إن أتذكر (البصري)، أضحك، لتعتريني بعدها رغبة بالبكاء، أضحك لكوميديته العبقرية، وأحزن لخسارته بعد عزلة اختيارية، مات بعدها، ولم يكن خلف جنازته أثناء تشييعه، سوى ستة اشخاص، كان (عبوسي)، حمودي الحارثي، أحدهم.
أكتب الآن، وأنا أردد ما كتبه الشاعر عبد الزهرة زكي: "من الحكمةِ أن نتدرّبَ أخيرًا على الوحدة ما دمنا سنموت وحيدين." هذا النصّ، ربما يختصر حيوات الكثير من الكتّاب والفنانين، الذين عاشوا بيننا بصخب محبتهم، لكنهم غادرونا بصمت، دون رفقة!
وها نحن نلوح لـ (البصري)، عبر هذا الاستذكار، وفاءً وتقديرًا واحترامًا، لقامة فنية كبيرة، عاش ومات ملكًا في استرخائه، أمام الكاميرا وخلفها.