آشور.. مرآة الحضارة وكنز العراق الخالد

تحقيقات

آشور.. مرآة الحضارة وكنز العراق الخالد
100%
تصوير / مفتشية آثار وتراث صلاح الدين صلاح الدين / عامر جليل إبراهيم على الضفة اليمنى لنهر دجلة، وعلى بُعد 110 كيلومترات جنوبي مدينة الموصل، تنهض مدينة آشور التاريخية على سفح صخري كواحدة من أعظم عواصم الحضارات القديمة، ومهد الدولة الآشورية العريقة، التي جمعت بين القداسة والسيادة، فكانت مركزًا دينيًا وسياسيًا وعسكريًا فريدًا في التاريخ القديم. "الشبكة العراقية" زارت هذا الموقع الأثري ضمن جولاتها بين المحافظات العراقية للتعريف بالأماكن الدينية والأثرية والتراثية، بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة السياحة العربية لعام 2025، والتقت سالم عبد الله الدليمي، منقّب آثار أول ومدير موقع آشور، ليحدثنا قائلًا: "تمتاز مدينة آشور، التي تبلغ مساحتها نحو 80 هكتارًا، وشكلها شبه المثلثي، بعلو أسوارها الشمالية التي تتجاوز 14 مترًا، وبأهميتها الدينية الكبيرة، كونها موطن الإله القومي (آشور)، الذي وحّد تحت رايته الملوك والجنود، وكان له فيها معبد لا نظير له في المدن الآشورية الأخرى." مدينة الآلهة يضيف الدليمي: "من هذا الموقع المقدس، تُوِّج الملوك ودُفنوا، وانطلقت الجيوش لتعود بالغنائم، فيما حظي سكانه بامتيازات استثنائية جعلتهم طبقة خاصة بين الآشوريين. حتى بعد انتقال مركز الحكم إلى مدينة كالح (النمرود) عام 883 ق.م، بقيت آشور محافظة على مكانتها الروحية، باعتبارها مدينة الآلهة ومرقد الملوك العظام." ويؤكد الدليمي أن "آشور تحتضن أكثر من ثلاثين معلمًا شاخصًا، ما بين معابد وزقورات وقصور وقبور ملكية، من أبرزها: زقورة الإله آشور، والمقبرة الملكية، ومعابد آنو - أدد، ونابو، ونين - شمش، وعشتار، وآشور، وبيت الكاهن، والقصر الجديد (قصر توكلتي نينورتا الأول)، والقصر الفرثي، وبوابة تابيرا والبوابة الغربية." مضيفًا: كل هذه المعالم تجسد قوة الدولة الآشورية وهيبتها، حين كانت لكل مبنى وظيفة روحية أو سياسية أو إدارية تخدم البنية الفوقية للإمبراطورية، ومن خلال هذه المعالم يمكن قراءة شيفرة الدولة الآشورية ونظامها الذي جمع بين الدين والعسكر والسياسة. طبقات تاريخية يمضي الدليمي قائلًا: تمتاز مدينة آشور بتعاقبها الطبقي الغني، إذ إنها شهدت استيطانًا متواصلًا لقرون طوال، فقد جرى رصد وجود مخلفات تعود للعصر السومري، إلى جانب الطبقات الأكدية، ثم الفترات الآشورية في عصورها الثلاثة، السلوقية، والبارثية، وانتهاءً بالعصر الهلنستي. وإلى جانب آثار العصور القديمة، تحتوي المدينة أيضًا على قصور تراثية تعود للعصر العثماني، مثل قصر فرحان باشا، وقصر فالتر أندريه، ما يمنح الموقع طابعًا متفردًا يجمع بين الطبقات الزمنية المتعددة. لائحة اليونسكو وأثناء حديثنا مع الدليمي، كان يرافقنا أيضًا السيد مهند محجوب تركي، مسؤول إعلام آثار صلاح الدين، ليشاركنا الحديث بالقول: "في عام 2003، أدرجت مدينة آشور في قائمة التراث العالمي كأحد المواقع العراقية الفريدة ذات القيمة العالمية الاستثنائية، وهي ثاني موقع عراقي يُدرج بعد مدينة الحضر، ما يمثل اعترافًا دوليًا بأهمية هذا الموقع كإرث إنساني يروي حكاية حضارة عمرها آلاف السنين." التنقيب العلمي وعن عمليات التنقيب في مدينة آشور يقول تركي: "مع أن أولى المحاولات التنقيبية في آشور تعود إلى عام 1845 على يد البريطاني هنري لايارد بمساعدة هرمز رسام، إلا أن أول تنقيب علمي دقيق في المدينة جاء على يد الألماني المهندس فالتر أندريه سنة 1903، الذي ركز في أعماله على شمال المدينة حيث المباني الرسمية، واستمر في عمله لعشر سنوات، حتى اضطر للتوقف بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى، وكل ما خلّفه من مؤلفات ووثائق ما زال يمثل مرجعًا أساسيًا في دراسة المدينة." متابعًا: إن "أعمال التنقيب استمرت من قبل بعثات أثرية محلية وأجنبية، وأسفرت عن اكتشاف آلاف القطع الأثرية، والعشرات من الوحدات البنائية، لكن كل هذه الجهود لم تغطِّ سوى ما نسبته 5 - 10 % فقط من مساحة المدينة الكاملة، وهو بالتأكيد يفتح آفاقًا مستقبلية واسعة لاكتشاف المزيد." آمال بالترميم يعود الدليمي ليكمل الحديث قائلًا: "خلال فترة احتلال داعش الإرهابي للمدينة، تعرّضت أربعة من معالم المدينة الشاخصة إلى دمار كبير، وهي: قصر فرحان باشا الذي دمّر بالكامل ولم يخضع للترميم حتى اليوم، والمقبرة الملكية التي جرى تنظيفها وإعادة بناء بعض المداميك لإظهار تخطيطها، فضلًا عن بوابة تابيرا التي قامت جامعة أميركية محلية بإعادة بناء أحد عقودها الثلاثة، وقصر فالتر أندريه الذي أعيد ترميمه بالكامل سنة 2022 من قبل بعثة ألمانية مشتركة من جامعتي ميونخ ومونستر." مؤكدًا: "برغم الجهود، لا تزال أعمال الصيانة في المدينة محدودة جدًا، ولا يُعدّ أي معلم مكتمل الصيانة باستثناء قصر فالتر أندريه، لذا فإن مستقبل هذا الموقع يتطلب تضافر الجهود الحكومية والدولية من أجل الحفاظ عليه وصونه من الاندثار." كنز العراق يختم الدليمي حديثه: "تُعدّ مدينة آشور شهادة حية على إحدى أعظم الحضارات التي عرفها التاريخ، فقد مزجت بين الدين والقوة والمعرفة. ورغم الاعتراف الدولي، ما زالت المدينة تقاوم الإهمال والتخريب بإرثها العميق، وبحجارة تتكلم تاريخًا لن يُمحى، فآشور ليست مجرد أطلال.. إنها مرآة حضارة عظيمة تستحق أن تُعاد إلى الحياة من جديد.

إقــــرأ المــــزيــــــــد

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال
تحقيقات

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي
تحقيقات

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي

حياة بلا تواصل اجتماعي..  هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟
تحقيقات

حياة بلا تواصل اجتماعي.. هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟
تحقيقات

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي
تحقيقات

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"
تحقيقات

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"

أبرز الأخبار

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

قصة إعدام الفنان صباح السهل

قصة إعدام الفنان صباح السهل

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج