100%
نينوى/ عامر جليل إبراهيم
تصوير/ حسين طالب
على أطراف مدينة الموصل يقف سور نينوى العظيم، شاهداً على حضارة موغلة في القدم، سادت قبل آلاف السنين، وأحد أعظم التحصينات المعمارية التي شُيدت في العصور القديمة. بُني هذا السور بأمر من الملك الآشوري سنحاريب، قبل أكثر من 2724 سنة، وفق تصميم دفاعي لحماية عاصمة واحدة من أقوى الإمبراطوريات في التاريخ القديم، وليعكس في الوقت ذاته مدى تطور الهندسة العسكرية لدى الآشوريين..
اليوم، يُعد السور من أبرز المعالم الأثرية في العراق، حيث تجرى أعمال ترميم وإعادة تأهيل للحفاظ عليه وإعادته إلى سابق مجده.
(الشبكة العراقية) زارت مدينة الموصل واطلعت على مواقعها التراثية والأثرية، بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة السياحة العربية لعام 2025، والتقت السيد رويد موفق الليلة، مفتش آثار وتراث نينوى الذي حدثنا قائلاً: "شُيد سور نينوى في عهد الملك الآشوري سنحاريب، بهدف تأمين المدينة من الغزوات والتهديدات الخارجية، وكان جزءًا من مشروع عمراني ضخم قام به الملك لجعل نينوى منيعة ومزدهرة. واستمر استخدام السور حتى سقوط الإمبراطورية الآشورية عام 612 ق.م، على يد تحالف الميديين والبابليين."
بوابات السور
يضيف (الليلة): "يبلغ طول السور نحو 13 كيلومترًا، ويحيط بمدينة نينوى بشكل شبه مستطيل، وصُمم ليكون دفاعيًا وقويًا للغاية." مبينًا: أن السور يتكون من طبقات عدة من المواد المختلفة، بدءًا من قاعدة حجرية ضخمة يصل ارتفاعها إلى 6 أمتار، يوجد فوقها جدار من الطوب الطيني بارتفاع يصل إلى 10 أمتار. ويقدر سمكه بـ 15 مترًا، ما جعله واحدًا من أقوى التحصينات في العالم القديم."
يسترسل (الليلة) بالقول: "يحتوي السور على 15 بوابة رئيسة، كانت تُستخدم كمداخل ومخارج للمدينة، بالإضافة إلى دورها العسكري والدفاعي. ولكل بوابة أهمية خاصة، وغالبًا ما كانت تُسمى نسبةً إلى الآلهة الآشورية، ومن أبرز هذه البوابات:
بوابة المسقى: وكانت تُستخدم لنقل المياه إلى المدينة، ويُعتقد أنها كانت مخصصة لموكب الملك. وبوابة نركال: وسُميت نسبةً إلى الإله نركال، وبوابة أدد: سُميت نسبةً إلى الإله أدد، وبوابة شمش: وكانت مخصصة لعبادة الإله شمش، إله الشمس، فضلًا عن بوابة حَلْزي: سُميت نسبةً إلى الإلهة حَلْزي. "
إعادة تأهيل
أما عن عمليات إعمار وتأهيل السور فقال: "في السنوات الأخيرة، بادرت وزارة الثقافة والسياحة والآثار، بالتعاون مع مفتشية آثار وتراث نينوى، ومحافظة نينوى، إلى تنفيذ مشاريع لإعادة تأهيل وصيانة السور. شملت هذه الجهود إعادة بناء الأجزاء المدمرة وفقًا للمعايير العالمية، بهدف الحفاظ على التراث العراقي ومواجهة محاولات طمس هويته. وفي عام 2024 حظيت عمليات الإعمار بمتابعة رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، الذي أكد على أهمية السور كدلالة على العمق التاريخي لمحافظة نينوى."
وفي جولتنا الاستطلاعية على معالم السور، رافقنا معاون مدير آثار وتراث نينوى، عمر خليل إبراهيم، ليحدثنا قائلًا: "تعرض سور نينوى عبر العصور للعديد من عوامل التآكل والتدمير، كالعوامل الطبيعية، مثل الزلازل والفيضانات، فضلًا عما لحق به من أضرار بسبب الغزوات العسكرية التي مرت بها المنطقة، قديمًا وحديثًا، أضف الى ذلك عمليات التنقيب غير القانونية التي أدت الى العبث بالمواقع الأثرية، وأخيرًا عمليات التدمير المتعمد الذي قامت به عصابات داعش الظلامية في عام 2015، التي استهدفت العديد من البوابات والمنحوتات الأثرية."
يضيف إبراهيم: "إن عملية إعمار وإعادة تأهيل السور تعني في جوهرها الحفاظ على جزء مهم من هوية العراق، فضلًا عن جعل الموقع مركزًا لجذب السياح والباحثين في علم الآثار." مؤكدًا أن مشروع إعادة تأهيل السور تجري وفق منهجية دقيقة تتماشى مع المعايير الأثرية العالمية، كتقييم حجم الأضرار التي لحقت بالسور أولًا، وتوثيقها باستخدام تقنيات حديثة، ثم إزالة الأنقاض وتنظيف الموقع وتصنيف الأحجار الأصلية القابلة لإعادة الاستخدام، وإبعاد الأجزاء المتضررة التي لا يمكن إصلاحها، فضلًا عن استخدام تقنيات البناء المستوحاة من الأساليب الآشورية القديمة، لضمان الحفاظ على الهوية التاريخية للسور، واستخدام مواد تتوافق مع الأصلية، مثل حجر الحلان الأسمر، مع مراعاة المعايير البيئية والهندسية لضمان استدامة البناء.
تحديات وإصرار
يسترسل (خليل) في حديثه قائلًا: "يواجه مشروع إعادة تأهيل سور نينوى تحديات عدة، منها: الحفاظ على الطابع الأصلي للبناء، وتوافر المواد الأصلية المستخدمة في بناء السور، التي قد لا تكون متوفرة اليوم بنفس الجودة، ما يستدعي البحث عن بدائل متوافقة. وبالطبع يبقى التمويل والدعم اللوجستي واحدًا من أهم التحديات التي تواجه مشروع إعادة التأهيل، خاصة أن المشروع يحتاج ميزانية كبيرة. هذا فضلًا عما يحتاجه المشروع من تنسيق عالي المستوى بين الجهات المعنية، إذ تشارك جهات حكومية ودولية في المشروع، ما يتطلب تنسيقًا دقيقًا لضمان تنفيذ الأعمال وفق المعايير المطلوبة. لكن همتنا وعزمنا كبيران لترميم السور وإعادة تأهيله، كونه كنزًا وطنيًا وإنسانيًا يستحق البقاء."