100%
رجاء الشجيري
التدهور البيئي والتغيرات المناخية، من شح المياه وقلة الأمطار والجفاف والتصحر وانحسار المساحات الزراعية، إضافة إلى دخان السيارات والمصانع التي احتلت المدن على حساب المناطق الخضر، وتلوث مياه الأنهار بسبب رمي المخلفات والطمر الصحي فيها، كل ذلك انعكس سلبًا على الأمن الصحي والغذائي والمائي، فضلًا عن انخفاض المستوى الاقتصادي، لاسيما للعاملين في مجال الزراعة، وارتفاع نسب الفقر وعمليات النزوح البيئي.
نتساءل: ما دور المرأة ومبادرات تصديها لهذه الكوارث البيئية القريبة والبعيدة المدى؟ وهل استطاعت أن تعزز وتلاقي الدعم تجاه خطواتها؟ ماذا قدمت من سبل حماية وتوعية ومعالجة، بدءًا من بيتها وانطلاقًا نحو المجتمع؟
علاقة أزلية
المرأة -منذ القدم- في تماس واندماج مع الطبيعة، فكلاهما مانحة للحياة والعطاء والخصوبة. وقد عرفت كيف تتعامل مع الطبيعة، التي وُصفت بأنها (الطبيعة الأم). بل إن كلتيهما تشترك في تعرضها للعنف أيضًا، فكما أن بعض النساء يعانين من مختلف أنواع العنف، فالبيئة أيضًا تعاني حاليًا من أشد أنواع العنف بسبب الإهمال وعدم الوعي البيئي والمسؤولية تجاه النجاة بالأرض وما يمكن أن يحدث في مقبل الأيام.
نساء الكوكب مليئات بنماذج عظيمة كانت لهن إنجازاتهن تجاه البيئة للحفاظ عليها، أمثال: راشيل كارسون، صاحبة كتاب (الربيع الصامت)، الذي تتحدث فيه عن مخاطر المبيدات الحشرية واستخدامها العشوائي، والرائدة في الحركة البيئية مارجوري ستونمان، صاحبة كتاب (نهر من العشب)، وكيت سيشينز، وآنا كومستوك وغيرهن.
من نماذج النساء العراقيات، نذكر على سبيل المثال: المهندسة والناشطة البيئية مروة النعيمي، التي حولت تراكم نفايات منطقتها وشوارعها إلى مشروع (الذهب الأخضر) تقول: "نفاياتنا هي ذهبنا الأخضر." إذ جمعت النفايات وحولتها إلى سماد طبيعي للزراعة المنزلية والمشروعات الزراعية الأخرى. وكذلك البيئية العراقية شاكوفي، التي قامت بزراعة آلاف الأشجار في مدينة كركوك، وأطلقت مبادرات لإعادة تدوير النفايات. النماذج كثيرة ومفرحة، وإن كنتُ هنا لست بصدد ذكرهن جميعًا، إلا أنني، في موضوع آخر سأخصصه للإيفاء بذكر إنجازاتهن البيئية المميزة، خاصة العراقيات منهن. لكنني الآن بصدد تسليط الضوء على أهمية تفعيل ودعم دور المرأة.
البذرة من بيتها
هبة علي حكمت، مدرسة مادة الرياضيات، تحدثت عن كيفية تعاملها مع أولادها وطلبتها في توجيههم حول دورهم تجاه البيئة، قائلة: "مسؤولية المرأة كبيرة في بيتها ومنطقتها وعملها وشارعها ومكان عملها بيئيًا، نحن مجتمع مقلِّد، والتأثير بالسلوك المباشر أكثر فاعلية، فغالبًا نجد الحديث والتوجيهات الشفهية غير مؤثرين كما الفعل اللحظي، سواء في الزراعة أو في مشاريع تدوير الأشياء وغيرها. فأنا أعلم أولادي وطلبتي أهمية ترشيدهم المياه والكهرباء داخل البيت، وعدم التبذير، كذلك التعامل مع البلاستيك في الأكل، سواء الأواني أو الملاعق أو الأكواب والاستعاضة بالخشب والفخار والزجاج، كذلك تنبيههم إلى الأكياس المصنوعة من النايلون، خاصة السود منها، وعدم استخدامها، لما يمكن أن تسببه من مسرطنات، وأيضًا عدم تجميد المواد الغذائية فيها، وإنما باستخدام أكياس خاصة للتجميد تستعمل لمرة واحدة، إضافة إلى حثهم على أهمية الزراعة، سواء داخل حديقة البيت أو المدرسة، لما لها من أهمية في تنقية الجو كدرع وحماية وصد جوي. بالتالي، كل هذا السلوك والحث من شأنه توجيههم نحو العادات البيئية الصحية التي من شأنها إنقاذ ما يمكن إنقاذه في بيئتنا."
مبادرات تشجير
آيات مؤيد الهنداوي، باحثة، دكتوراه في القانون الدولي لحماية البيئة، تعمل في مشروع (البيت الأخضر)، الذي هدفه مكافحة التصحر وزيادة المساحات الخضر، أشارت إلى دور النساء المهندسات الزراعيات في (المشروع الأخضر) والباحثات في مجال البيئة أيضًا للمساهمة في مشروعات تساعد في تحسين الواقع البيئي، إذ قام الكثير من المهندسات والمتطوعات بالعمل في حملة التشجير التي دعا لها دولة رئيس الوزراء لزرع خمسة ملايين شجرة. وقد زرع من خلال المشروع الأخضر نصف مليون شجرة منذ 2023 إلى الآن، إضافة إلى مساهمتهن كعضوات ساندات في المبادرة الوطنية لدعم الطاقة وتقليل الانبعاثات وكل ما يتعلق بجودة البيئة. فالباحثات كان لهن دور مؤثر بالتعاون في إعداد مؤتمرات مهمة فيما يتعلق باستخدام كل ما هو أخضر في مواجهة المخدرات، وهناك أيضًا مؤتمر التشجير الحضري الذي شاركت فيه العديد من النساء المتخصصات في مجال الزراعة من مختلف الجامعات، الذي أقيم بالتعاون مع مستشارية رئاسة الوزراء لشؤون البيئة والطاقة والمناخ، فهو لم يكن مؤتمرًا فحسب، بل شمل تدريبًا حقليًا في مزرعة المشروع الأخضر في ألبوعيثة جنوب بغداد.
المرأة الريفية
كما تحدثت م. منار ماجد حميد، الناشطة البيئية، التدريسية في جامعة ذي قار تخصص جغرافيا بشرية، عن معاناة المرأة الريفية والجنوب إزاء التدهور البيئي بقولها: "تأثرت النساء والفتيات بالتغير المناخي الذي يعاني منه العراق بصورة عامة، والمناطق الجنوبية بصورة خاصة في المناطق الريفية والأهوار، ما نتج عنه تعرضهن إلى عدم المساواة وعدم تكافؤ فرص العمل، وبالتالي أصبحت المرأة تواجه مشكلات ومخاطر إنسانية معقدة ومركبة في نواحٍ متعددة، منها الإنسانية."
تُعد بيئة الريف والأهوار مصدرًا اقتصاديًا مهمًا للنساء، لاعتمادهن المباشر على الموارد الطبيعية والإنتاج الزراعي كأساسيات للعيش، مثل العمل في تربية المواشي والجاموس، والزراعة والصيد، والصناعات الغذائية واليدوية. لكن جفاف الأهوار أدى إلى عمليات نزوح كبيرة من الأهوار إلى المدن المختلفة، الأمر الذي تسبب في توزيع غير متوازن للسكان. ففي محافظة ذي قار نزحت نحو (10000) أسرة من الأهوار أو المناطق الريفية باتجاه مدن المحافظة أو المحافظات الأخرى، ما يؤثر سلبًا على التنمية الزراعية، ويجبر النساء والفتيات على السير لمسافات أطول للحصول على المياه، وتعرضهن بالتالي لأخطار أكبر.
كما أشارت منار ماجد، في ما يخص عملية المشاركة، أو دعم وتحفيز مشاركة النساء في مجال البيئة، إلى أن المرأة تواجه مشكلة عدم توفير فرص كافية للمساهمة في حماية البيئة أو تحسينها، والتقليل من الأثر أو التدهور الذي وصلت إليه الآن.
ويمكن أن تكون المساهمة مقتصرة في بعض الأحيان على المشاركة في منظمات المجتمع المدني، أما المبادرات أو المشاركات الحكومية فهي غير كافية مع مقدار الضرر الحاصل في البيئة الطبيعية أو الأشخاص. وإن كانت هناك مشاركات، فهي غالبًا محدودة وقريبة من الشكلية فقط، بينما المطلوب السعي إلى عملية إشراك فعلي للنساء المتأثرات من التدهور البيئي، من خلال المساهمة في إيجاد الحلول في تلك المجتمعات، فضلًا عن مشاركتهن في وضع الحلول للتكيف مع الوضع الحالي، والمشاركة في تمكينهن اقتصاديًا من خلال التدريب والتطوير أو توفير منح أو برامج حكومية خاصة للفئات المتضررة من التدهور البيئي.