اعتمد السخرية السوداء "كعكة الرئيس".. توثيق لسنوات الحصار ونبش في التفاصيل

فنون

اعتمد السخرية السوداء "كعكة الرئيس".. توثيق لسنوات الحصار ونبش في التفاصيل
100%
علاء المفرجي ما يحسب للمخرج حسن هادي في فيلمه (كعكة الرئيس) هو خروجه عن النمط المعتاد، الذي طبع موضوعات تجارب السينمائيين الشباب في السينما العراقية بعد عام 2003، مثل موضوعة الحرب على داعش، والآثار المأساوية لهذه الحرب، على الرغم من الموضوعات (المبذولة) التي لم تقرُبها المعالجة الفيلمية، التي كان أثرها المحلي أسوأ من الحروب. عُرض فيلم (كعكة الرئيس) للمخرج حسن هادي، وهو أول فيلم عراقي يُشارك في مهرجان كان، في قسم (أسبوع المخرجين) الموازي له، حيث برز كأحد أكثر الاكتشافات إثارةً هذا العام، حتى قبل فوزه بجائزة الجمهور في قسمه، في وقت سابق، وجائزة الكاميرا الذهبية المرموقة (التي تُمنح سنويًا لأول فيلم روائي طويل أول) في حفل الختام نهاية ذلك الأسبوع. مأساة كوميدية يرصد الفيلم سنوات الحصار التي فرضت على العراق في سنوات التسعينيات، واستمرت حتى عام 2003، حين كان نظام صدام حسين الاستبدادي متمسكًا بالسلطة طوال هذه الفترة القاسية من العقوبات الاقتصادية، وأحيانًا القصف الجوي، وهو ما أدى إلى نقص في الغذاء والدواء، بفعل العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة عقب حرب الخليج الثانية، بلدٌ تُقنّن فيه المياه، ويُعاني من شحّ الطعام، فيما يُعتبر الدواء ترفًا بعيدًا. في هذه الأجواء نتعرف على حكاية حسن هادي المأساوية الكوميدية، المستمدة من ذكريات طفولته، التي تلقي الضوء على واقع أغرب من الخيال للحياة في ظل حكم صدام حسين: حين كان يجري اختيار الأطفال كل عام في فصل دراسي لصنع كعكة عيد ميلاد تكريمًا للحاكم المستبد، وغالبًا ما يكافحون لتوفير - أو حتى العثور على - المكونات اللازمة للقيام بذلك. حقائق قاسية أحداث الحكاية تقع قبل يومين من عيد ميلاد الرئيس، عندما يتقرر اختيار لميعة، البالغة من العمر تسع سنوات (التي لعبت دورها بنين أحمد نايف بأداء عال وعفوية مدهشة) لتمثيل مدرستها في مبادرة وطنية، إذ يجب على كل طالب في المدرسة أن يتحمل نصيبه في صنع كعكة تكريمًا لصدام حسين. هنا يُذكرنا الفيلم بأعمال المخرج الإيراني عباس كياروستامي، خاصة في بداياته، التي اعتمدت منظورًا طفوليًا في كشفها تدريجيًا عن عبثية المجتمع الأوسع ومعاناته، كما يضعها العمل الأول لحسن هادي، الذي اتسم بدفء المشاعر الخادع، في مواجهة شريحة اجتماعية وسياسية: رجال الأمن والباعة والشرطة وغيرهم، والذين يكافحون من أجل العيش الكريم في مدينة نابضة بالحياة. الايقاعات السريعة والمفتوحة للآلات الوترية التقليدية –العود- في الموسيقى التصويرية، فضلًا عن اختيار المخرج للتصوير في مواقع عراقية؛ سواء التي كانت في الأماكن المظلة القديمة، أو شوارع المدينة الحديثة، ليخلق لنا التفاصيل المؤثرة، والحقائق القاسية في المجتمع العراقي، من منظور بطلتها، تمامًا مثلما فعل الإيراني جعفر بناهي في (البالون الأبيض) قبل ثلاثين عامًا، ونال عنه أيضًا -–ويا للمفارقة- جائز الكاميرا الذهبية، قبل أن ينال السعفة الذهبية هذا العام. دراما مؤثرة ولئن قلنا إن موضوعة حسن هادي في هذا الفيلم كانت خروجه على النمط المعتاد في موضوعات أقرانه من السينمائيين العراقيين الشباب، فإن ميزة أخرى في الفيلم كانت لصالحه أيضًا، تتعلق بمعظم طاقم الممثلين غير المدربين الذين عملوا تحت إدارته. وأيضًا اعتماده دراما مؤثرة مفعمة بالسخرية، تروي قصة عبور: من المنزل إلى المدرسة، ومن القرية إلى المدينة، من مرحلة حياة إلى أخرى، تتجسد هذه المراحل في الزوارق التي تجوب المياه الهادئة لأهوار جنوب البلاد، حيث يُرى هذا المشهد الأخّاذ لأول مرة عند الغسق في مشهد يُهيئ لما يليه، كما تفعل غنائية العود الحزينة (غير المذكورة) في الموسيقى التصويرية. محنة لميعة بالنسبة للميعة وجدتها، اللتين تعيشان في قرية ريفية في منطقة المستنقعات، فإن حظوظ الفتاة ليست مجرد إزعاج؛ بل هي محنة. فقد طُردت الجدة من عملها الزراعي في الحقول، وبالرغم من أن (الرئيس) وفر شاحنات المياه، لكن الحصول على المواد الغذائية الضرورية، لن يكون سهلًا، ناهيك عن تحمل تكلفتها. وهو استهلال رائع للفيلم، وليس فقط لإحساسه الواضح بالمكان، بل بتفاصيل الحدث. هذه التفاصيل، تُخبرنا بها عينا لميعة المعبّرتان بكل ما نحتاج معرفته عن التبعات العاطفية لهذه المحنة، وكأن المخرج يصوغ من أدائها مستقبلًا زاهرًا لها في عالم السينما، ولعلها المرة الأولى التي نقتنع تمامًا بأداء ممثل طفل في السينما العراقية، الذي لطالما كان معضلة كبيرة للمخرجين العراقيين في التعامل مع مثل هذه المواهب. وهم الرخاء (لميعة)، فتاة تبلغ من العمر 9 سنوات تضطر للسفر، مع جدتها العجوز، إلى المدينة للحصول على المكونات الأربعة التي تحتاجها لصنع الكعكة، كما أراد ذلك معلمها القاسي. خلال رحلتهما، يلتقيان مصادفة بالطفل سعيد (سجاد محمد قاسم)، الذي كلفه المعلم بجمع الفاكهة. لنكتشف -فيما بعد- أن (الجدة) قد أرادت من هذه الرحلة شيئًا آخر يخص مصير لميعة. ينتهي الأمر بهروب لميعة من مخططات الجدة، لنتابع رحلة الطفلين (لميعة وسعيد) في المدينة، وهما هاربان ووحيدان، ما يضطرّهما للاعتماد على أنفسهما بلقاءات مُضحكة، وأخرى مُحفوفة بالمخاطر. لتتحول هذه الرحلة إلى مغامرات للأطفال في المدينة، والأشخاص الذين يلتقون بهم ويحاولون التفاوض معهم يتسمون باللطف والقسوة والمكر والاستغلال، لكن الأطفال - وديكهم - يدخلون في كل تفاعل ببراءة أقرب إلى النزاهة والقوة الداخلية، مع كل لقاء عابر. ليفصح ذلك عن التناقض الصارخ بين وهم الرخاء الذي تغذيه الدعاية، والحقيقة القاسية التي يعيشها العراقيون العاديون. في أحد المشاهد، يطلب الجيش تبرعات لعيد ميلاد الرئيس. وفي مشهد آخر، يقايض المواطنون آخر ممتلكاتهم بالطعام والملابس، بسبب انتشار العملة المزورة. أثر عاطفي القصة مستمدة من تجربة شخصية، سمعها من أبيه، أو ممن عاصر تلك المرحلة، وبشكل خاص طقوس الاحتفال بعيد ميلاد الديكتاتور، التي كانت إلزامية على كل مواطن، بغض النظر عما يعانيه العراق، ووسائل الضغط أو العقوبات الأميركية. إنه موقف يتناوله الفيلم بروح السخرية السوداء، وجزء صغير من هذا يتضمن سحب الأسماء في الفصل الدراسي، حيث يتعين على الطالب الأقل حظًا تقديم كعكة. تغوص كاميرا حسن هادي ببراعةٍ في الآثار النفسية للديكتاتورية، من خلال (المازوشية) التي يمارسها الأطفال بعبادة ما يخشونه، والاحتفاء بمن يُجوعهم. فتتجلى صدمة هذا التناقض بين الخوف والرغبة في المشاركة بالاحتفال بوضوحٍ على وجه لميعة، خاصةً عندما تدرك أن هذه الكعكة قد تُكلفها منزلها وعائلتها، الوحيدين اللذين تعرفهما. بكاميرا المخرج، التي تقدم سردًا يتميز بجمالياتٍ واضحة تُرسخها الموسيقى التصويرية، المشغولة بالعود العراقي بأصالةٍ ثقافية، تبدو أقرب إلى الأفلام الوثائقية في واقعيتها. على الرغم الإيقاع البطيء في الأحداث أحيانًا، والتغاضي عن البناء المحكم للشخصيات في بعض نقاط الحبكة (مثل عدم معرفة ما حدث لوالدي لميعة، ولماذا هي مع جدتها؟) لكن هذا لا يمنع من أن يبقى الأثر العاطفي للمتلقي طويلًا بعد انتهاء الفيلم.

إقــــرأ المــــزيــــــــد

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال
تحقيقات

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي
تحقيقات

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي

حياة بلا تواصل اجتماعي..  هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟
تحقيقات

حياة بلا تواصل اجتماعي.. هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟
تحقيقات

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي
تحقيقات

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"
تحقيقات

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"

أبرز الأخبار

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

قصة إعدام الفنان صباح السهل

قصة إعدام الفنان صباح السهل

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج