صلاح عباس: النقد مرآة الثقافة وعنوان ذاكرتها

ثقافية

صلاح عباس: النقد مرآة الثقافة وعنوان ذاكرتها
100%
حوار / زياد جسام في المشهد الثقافي العراقي، يظل النقد الفني واحدًا من المساحات التي تتقاطع فيها المعرفة الجمالية مع الرؤية الفكرية، حيث لا يكتفي الناقد بالوصف، بل يسعى لتأويل سياقات العمل، وربطها بالتحولات الاجتماعية والسياسية والفكرية. من هنا تبلورت تجربة الناقد صلاح عباس، الذي تنقل لأربعة عقود بين مسؤوليات التحرير في مجلات متخصصة، ومتابعة دقيقة للحركة التشكيلية، على التحولات التي فرضتها العولمة والتكنولوجيا على ذائقة المتلقي وأدوات الناقد. حاورناه عبر هذه الأسطر للحديث عن النقد وملفات الذاكرة الثقافية العراقية من زوايا مختلفة. *كيف ترى تطور النقد الفني في العراق خلال العقود الأخيرة؟ وهل تعتقد أنه قد وصل إلى مرحلة نضج تمكنه من التأثير الحقيقي في الساحة الفنية؟ -على مدى أربعة عقود من الزمن، تبلورت تجربتي في مجالي النقد الفني وتحرير المواد النقدية، لأغراض النشر في مجلة (تشكيل)، التي أسستها وترأست تحريرها منذ سنة 2007 صعودًا إلى فترة إحالة خدماتي الوظيفية للتقاعد عام 2016، وعملت مديرًا لتحرير مجلة (رواق التشكيل)، التي تصدر عن جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين / المركز العام ببغداد، منذ العدد 6 ولغاية العدد 21. ومن خلال هذه التجربة أستطيع القول إن النقد الفني في العراق حقق قفزات نوعية في الفهم والتفكر والوعي بالفنون الحداثية وما بعدها، ذلك أن المثقف العراقي، والناقد على وجه التحديد، تفتحت عيناه على مختلف المتصفحات وسبل التواصل في مواقع الإنترنت، ولهذا فإننا نرى ذلك الاهتمام المتزايد من لدن بعض النقاد والباحثين في مجالات الفنون التشكيلية، ويومًا إثر يوم نجد أسماء لنقاد جدد، أتوقع أن تكون لهم بصماتهم الخاصة والمتفردة في هذا المجال، بدليل زخم المشاركات في النشر وتأليف الكتب الفنية المستوفية للأغراض النقدية المطلوبة. *هل تعتقد أن هناك توازنًا بين النقد الفني المحلي والنقد الدولي في فهم وتقدير الفن العراقي؟ - لحد الآن لا يمكن مقاربة النقد الفني العراقي بما هو متوافر من نقد في العالم، لأسباب كثر يصعب حصرها، أهمها، أن قادة الفكر والمنظرين للفنون هم عادة أسماء أوربية وأميركية، رسخت حضورها عبر عمليات التنظير والاستقصاء الميداني، وسبرت أغوار الأفكار المعمول عليها في كل أرجاء العالم، خذ مثلًا سانتيانا وهيجل وماركس وآرنست فيشر وهربرت ريد وستولنتز جيروم، وقائمة الأسماء تطول. وعلى الرغم من التطور الحاصل في النقد الفني العراقي، إلا أنه لم يزل يحبو في الطريق الطويل. *كيف تنظر إلى دور الناقد الفني في دعم الفنانين الشباب؟ وهل ترى أن النقد يجب أن يكون بنّاءً أكثر أم تحليليًا صارمًا؟ -المشكلة المستدامة في النقد الفني في العراق أنه يزاوج بين العمل الأدبي والصحفي، لغرض التعريف بتجربة الفنان بمنظور إعلاني واستعراضي وخبري، ولو أننا حاولنا فحص واستقراء ما ينشر في الصحف والمجلات ومواقع التواصل الاجتماعي، سنجد أن الأغلب الأعم ينسحب على سياقات كتابة التقارير الصحفية، لكنه يفتقر إلى مناهج البحث المعنية بالتحليل والمقارنة والاستنتاج. *ما أهم القضايا الفنية التي يجب أن يسلط النقد الضوء عليها في العراق اليوم؟ - لدينا في الفنون التشكيلية الكثير من المشكلات التي لم تجد حلًا لها بعد، منها أن أغلب الفنانين، منذ فترة الريادة الزمنية المبكرة، لم يولوا أهمية لإنتاجهم الفني، ولا لسيرتهم الذاتية، وبقيت حياتهم الشخصية مجهولة، وعصي على الباحث اقتفاء أثرهم وتتبع مساراتهم الفنية والثقافية والاجتماعية، لذا ينبغي على الناقد الفني الحريص البحث الميداني عن الفنان المعني وإضاءة تجاربه، بصرف النظر عن كون الفنان حيًا أو متوفىً، ولو أننا استقرأنا تاريخ الفنون التشكيلية منذ عبد القادر رسام، صعودًا لآخر اسم ظهر على حلبة الاشتباك الفني، سنجد أنهم لم يحاولوا إنجاز كتاب فني أو فولدر يستوفي تجاربهم، وما يزيد الطين بلّة، عدم وجود متاحف يمكن الرجوع إليها واستقاء المعلومات والحصول على الصور العالية الدقة، عدا متحف الإبراهيمي، الذي ينطوي على مجاميع فنية مثيرة للإعجاب وتستحق التقدير، أما المقتنون للفنون فلا أعتقد أنهم يتعاونون مع الباحثين لأسباب تجارية واحتكارية، وخشيتهم من أن تنال عمليات التزوير مقتنياهم، لذا فإن الباحث والناقد المستحدث سوف يعتمد في بحثه على ما يتيسر من معلومات ملفقة وصور مزورة جرى إطلاقها على المتصفحات ومواقع التواصل الاجتماعي. *هل ترى أن التكنولوجيا الحديثة ووسائط التواصل الاجتماعي قد غيرت في طرق قراءة وتقييم الفن؟ وكيف يمكن للناقد التكيف مع هذه التغيرات؟ -حتمًا، يكون للتكنولوجيا الحديثة ووسائط التواصل الاجتماعي دور فاعل في تنمية القدرات الذهنية والحسية والتفكرية والمعلوماتية للناقد الفني، لأنها قادرة على أن ترينا العالم، وترينا أنفسنا، فكل شيء متاح ومتوفر، وليست هناك أشياء خفية في هذا العالم المدهش. لذا ينبغي على الناقد وضع مرتسم يناسب أغراضه وأهدافه الفنية، بعيدًا عن التزمت والقناعات الراسخة، وأن يتمتع بقدر كاف من الوعي الحر، البعيد عن العقد والانشغالات العقائدية والآيديولوجية. *كيف تقيّم العلاقة بين الفن التشكيلي وأدب الفنون الأخرى، كالشعر والمسرح في العراق؟ وهل هناك تداخلات نقدية تستحق الدراسة؟ - لو أننا تصفحنا سِفر الفنون التشكيلية في العراق، منذ فترة تأسيس الجماعات الفنية في أواخر الأربعينيات ومطلع الخمسينيات، سنجد أن هناك رفقة وصداقة بين رواد الفن التشكيلي العراقي ورواد الأدب العراقي، لقد كان حسين مردان على صلة مباشرة مع جواد سليم وشاكر حسن وخالد الرحال، كما أن جبرا إبراهيم جبرا وبلند الحيدري كانت لهما علاقات قريبة مع الفنانين العراقيين، ومن ثم كان عبد الرحمن طهمازي وسهيل سامي نادر ومحمد الجزائري، لهم التأثير البالغ على الفنانين، والأمثلة كثيرة ضمن هذا السياق. *ما أهم التجارب الفنية أو المعارض التي أثرت فيك شخصيًا كناقد، ولماذا؟ -في منتصف العقد السابع من القرن الماضي، كانت بغداد قبلة العالم، وكانت إدارة الفنون تسهم في إقامة معارض عالمية مهمة، كما أن رابطة الفنون التشكيلية كانت تؤدي دورها الحضاري ضمن هذا المجال، وشهدت بغداد إقامة بينالي الفنون العالمية، ومعارض الفنون العربية، وإقامة معارض شخصية لبيكاسو ومارينو ماريني وفازارلي وفؤاد الفتيح وكريم بناني، والكثير الكثير من المعارض التي حفظتها الذاكرة على مدى هذه السنوات، ومن أهم المعارض كان معرضًا محمد مهر الدين المعنونان (الحرب القذرة) و(غريب هذا العالم). *هل ترى أن هناك ضرورة لتطوير مناهج تدريس النقد التشكيلي في الجامعات العراقية؟ وما الخطوات التي تنصح بها لتحقيق ذلك؟ -يلزم هذا المقترح انفتاح العراق على العالم، وفتح أبواب الإعمار والاستثمار، وتفعيل السياحة الثرية التي تتيح فرص الاطلاع والتجارة، بيعًا وشراءً للأعمال الفنية العراقية، وهذا الموضوع شائك ومعقد الآن، لأنه يتماس مع الواقع السياسي وموجهات السياسة العراقية التي حجمت من أهمية الفنون الثقافة الحرة المواكبة للتطلعات الحديثة.

إقــــرأ المــــزيــــــــد

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال
تحقيقات

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي
تحقيقات

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي

حياة بلا تواصل اجتماعي..  هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟
تحقيقات

حياة بلا تواصل اجتماعي.. هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟
تحقيقات

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي
تحقيقات

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"
تحقيقات

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"

أبرز الأخبار

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

قصة إعدام الفنان صباح السهل

قصة إعدام الفنان صباح السهل

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج