الشرعية الحضارية

اعمدة

الشرعية الحضارية
100%

محمد عبد الجبار الشبوط 

منذ نشوء الدولة الحديثة، ظلّ مفهوم (الشرعية) محوريًا في فهم العلاقة بين الحاكم والمحكوم. وقد تعددت تعريفاته، فمن الشرعية الوراثية في الملكيات التقليدية، إلى الشرعية الثورية في الأنظمة الآيديولوجية، وصولًا إلى الشرعية الدستورية والديمقراطية في الدول الليبرالية. ومع ذلك، فإن هذه الأنماط التقليدية من الشرعية كثيرًا ما تفشل في المجتمعات المتعددة، التي تتداخل فيها الهويات الدينية والمذهبية والإثنية واللغوية، مثل الحالة العراقية وسواها من دول المشرق. السبب في هذا الفشل هو أن الشرعية القائمة على صناديق الاقتراع فقط، أو على الغلبة التاريخية، لا تكفي لتوحيد مجتمع تعددي على رؤية مشتركة للحكم. فالخلاف لا يكون حينها على الأشخاص فقط، بل على هوية الدولة ذاتها، وعلى من يملك الحق في تمثيلها. من هنا تأتي الحاجة إلى مفهوم جديد: الشرعية الحضارية، بوصفها نمطًا أعلى من الشرعية، لا يكتفي بالاعتماد على الشكل (الانتخاب، الدستور)، بل ينفذ إلى المضمون القيمي للحكم. في هذا الإطار، تصبح الدولة شرعية، لا فقط لأنها حازت على أصوات الناخبين، بل لأنها تعبّر عن قيم مشتركة بين المكونات المختلفة، قيم تتجاوز الهويات الجزئية، وتتوحد فيها الأمة بوصفها مركبًا حضاريًا. الشرعية الحضارية تتأسس على عقد قيمي جامع، تلتقي فيه المكوّنات المختلفة حول المبادئ المؤسسة للدولة: العدل، والمساواة، والكرامة، والمشاركة، والإحسان، والعقلانية. وهذه الشرعية لا تُملى من فوق، بل تُبنى من القاعدة، من خلال تربية حضارية واعية، ومشاركة فاعلة، ومؤسسات عادلة تعكس التعدد دون أن تنقسم على نفسها. إن الدولة التي تفتقر إلى الشرعية الحضارية، مهما بلغت قوتها، تبقى دولة مهددة من الداخل، هشّة أمام الانقسامات، مرتهنة للمحاصصات، مفتقرة لثقة المواطن. أما الدولة الحضارية الحديثة، فإنها تكتسب شرعيتها من تمثيلها للقيم العليا التي يقرّ بها الجميع، وتكون بذلك دولة (جميع المواطنين)، لا دولة مكوّن دون آخر. في المجتمعات المتعددة، لا يكفي أن تكون الدولة قانونية فقط، بل يجب أن تكون حضارية أيضًا. أي أن تعكس روحًا أخلاقية عليا تتجاوز الانقسامات، وتُلهم الأفراد بالانتماء الطوعي إليها. عندها فقط تصبح المواطنة فاعلة، وتغدو المؤسسات حاضنة، وتكتسب السلطة احترامها من دون خوف أو قسر. بهذا المفهوم، فإن الشرعية الحضارية ليست فقط مخرجًا لأزمات الدول المتعددة، بل هي قاعدة تأسيسية لأية دولة تسعى إلى الديمومة، والتنمية، والكرامة، والسلام الداخلي.

إقــــرأ المــــزيــــــــد

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال
تحقيقات

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي
تحقيقات

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي

حياة بلا تواصل اجتماعي..  هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟
تحقيقات

حياة بلا تواصل اجتماعي.. هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟
تحقيقات

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي
تحقيقات

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"
تحقيقات

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"

أبرز الأخبار

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

قصة إعدام الفنان صباح السهل

قصة إعدام الفنان صباح السهل

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج