أحمد عبد ربه
في خطوة وُصفت بأنها الأهم في تاريخ النظام المالي العراقي منذ 2003، وقّع مصرف الرافدين اتفاقية شراكة مهنية مع شركة K2 Integrity الأميركية، الرائدة عالميًا في مجال الاستشارات المالية والرقابية، وذلك خلال مراسم رسمية احتضنها مقر سفارة جمهورية العراق في واشنطن. تمثل هذه الاتفاقية – وفق المراقبين – نقطة تحول ستراتيجية تهدف إلى إعادة بناء النظام المصرفي العراقي على أسس حديثة وشفافة، وتعزيز قدرته على الاندماج مع المؤسسات المالية الدولية، بما يمهد لتحويل الرافدين إلى أكبر كيان مصرفي تنافسي في المنطقة. لاعب إقليمي بحسب الخطة الحكومية، فإن مصرف الرافدين – أكبر مؤسسة مالية حكومية في العراق – سيجري تحويله إلى "بنك الرافدين الأول"، مع تقليل نسبة المشاركة الحكومية إلى أقل من 24 %، على أن تُعرض الأسهم المتبقية أمام البنوك الخاصة والمستثمرين الدوليين. هذه الخطوة تعني – وفق محللين – أن العراق يتجه نحو تحرير القطاع المصرفي الحكومي، وتهيئته للتحول إلى لاعب إقليمي قادر على منافسة البنوك الكبرى في المنطقة، بدلًا من الاكتفاء بدور محلي محدود. ومن المتوقع أن يتم الانتهاء من خطة إعادة الهيكلة والمصادقة عليها من قبل الحكومة العراقية بحلول نهاية العام الحالي، لتبدأ بعدها مرحلة جديدة من الإصلاح المالي الذي طال انتظاره. تحولات اقتصادية وبحسب مدير مصرف الرافدين، علي كريم حسين ظاهر الفتلاوي، فإن "التوقيع مع شركة K2 Integrity يعد قفزة نوعية في مسار الإصلاح المصرفي." موضحًا أن الاتفاقية "تتضمن تقديم حزمة واسعة من الخدمات تشمل مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتطبيق أنظمة الامتثال الدولية، وتعزيز البنية الرقابية للمصارف العراقية." وأشار الفتلاوي إلى أن "التعاون مع مؤسسة مرموقة عالميًا يعكس التزام الحكومة العراقية بإنشاء قطاع مالي قوي وشفاف قادر على مواكبة التحولات الاقتصادية، وترسيخ مكانة العراق كمركز مالي واعد في الشرق الأوسط." يذكر أن مصرف الرافدين تأسس عام 1941، وشكّل لعقود العمود الفقري للنظام المصرفي العراقي. وبعد سنوات من العقوبات الدولية والقيود على التحويلات المالية، عانى المصرف من عزلة مصرفية حدّت من قدرته على التوسع الخارجي. تحديات وحلول من جهته، أوضح الخبير الاقتصادي صفوان عبد الحليم أن "مصرف الرافدين يواجه مخاطر مالية متزايدة نتيجة وجود عملاء غير معروفين بشكل كافٍ لدى المصرف، الأمر الذي يرفع من احتمالية استغلال النظام المصرفي في عمليات غسل الأموال." وأضاف: "الحل يتطلب إنشاء قواعد بيانات متخصصة للتجار والعملاء، وتطبيق آليات تحقق صارمة، إلى جانب الاستثمار في الكوادر البشرية والتكنولوجيا الحديثة لتطوير الأداء المصرفي وفق أحدث الأنظمة العالمية." جذب الاستثمارات أما الخبير الاقتصادي مصطفى الفرج فقد اعتبر الاتفاقية "واحدة من أبرز مؤشرات انفتاح العراق المالي على المؤسسات الدولية الكبرى." مؤكداً أنها "ليست مجرد تعاون فني، بل تحمل أبعادًا ستراتيجية عميقة، لأنها تسهم في إعادة بناء جسور الثقة مع المؤسسات المالية العالمية." وقال الفرج: "التركيز على ملفات الامتثال ومكافحة غسل الأموال يمثل رسالة طمأنة للأسواق الدولية بأن العراق جاد في إصلاح نظامه المصرفي، وهو ما سيمنحه فرصًا أكبر لجذب الاستثمارات الأجنبية، وتوسيع تعاونه مع البنوك المراسلة حول العالم." وختم بالقول: "المطلوب الآن أن تترافق هذه الخطوات مع إصلاحات إدارية وحوكمية جادة داخل المصارف العراقية، كي تتحول الاتفاقية إلى أداة تغيير حقيقية وليست مجرد بروتوكول على الورق."