أحمد عبد ربه
أكد المستشار الاقتصادي لرئيس مجلس الوزراء، الدكتور مظهر محمد صالح، أن الإصلاح المصرفي في العراق يمثل أولوية ستراتيجية قصوى في المرحلة الحالية، مشددًا على أن نجاح أية خطة إصلاح يعتمد على التدرج في التطبيق وبناء الثقة بين البنك المركزي والجمهور والمصارف، على حد سواء.
صالح أوضح أن نحو 85 % من السيولة النقدية في العراق خارج التداول المصرفي، وهو ما يستدعي وضع آليات فعالة لتحفيز المواطنين على فتح الحسابات البنكية واستخدام الخدمات المصرفية بشكل أكبر لتعزيز فعالية القطاع المالي وتحفيز النشاط الاقتصادي.
أوليفر وإيمان تعاقد البنك المركزي العراقي في آب 2024 مع شركة (أوليفر وايمان)، وهي شركة استشارية أميركية تأسست في نيويورك عام 1984، وتمتلك أكثر من 60 مكتبًا في أوربا وأميركا الشمالية والشرق الأوسط وآسيا والمحيط الهادئ، يعمل فيها أكثر من خمسة آلاف موظف. تخصصت الشركة في تقديم الاستشارات المالية وإعادة هيكلة القطاعات المصرفية، ويهدف التعاون معها إلى الاستفادة من خبراتها الدولية في تطوير قطاع مصرفي مرن وشفاف يتناسب مع خصوصية البيئة العراقية ويضمن التدرج في الإصلاح وتحقيق الاستقرار المالي.
كما أشار صالح إلى أن خطة الإصلاح المصرفي ترتكز إلى محاور رئيسة عدة، أبرزها تعزيز قدرة البنوك على جذب الأموال وتشجيع الأفراد على فتح الحسابات المصرفية، وتقديم القروض بشروط ميسرة وجاذبة. وأضاف أن تحويل السيولة النقدية من خارج النظام المصرفي إلى البنوك سيزيد من كفاءة القطاع المالي ويحفز النشاط الاقتصادي. مشيرًا إلى أن تحقيق هذا الهدف يتطلب توفير آليات تحفيزية للمواطنين، مثل منح فوائد مجزية على الودائع وتسهيلات ملائمة للحصول على القروض. وأكد أن التركيز على الشمول المالي لجميع فئات المجتمع يعد عنصرًا أساسيًا لتعزيز الودائع المصرفية وزيادة القدرة الاستثمارية في الاقتصاد المحلي. استعادة الثقة
وبين صالح أن أحد أكبر التحديات التي تواجه الإصلاح المصرفي يتمثل في استعادة ثقة الجمهور بالنظام المالي. مؤكدًا ضرورة توفير ضمانات قانونية وأمان للأموال المودعة في البنوك. موضحًا أن دعم القطاع المصرفي وتحسين بنيته التحتية يمثلان عنصرين أساسيين للنهوض بالاقتصاد الوطني. مشيرًا إلى أن التوجه الحالي يركز على تعزيز البيئة التنظيمية بما يسمح للمصارف بتقديم خدمات مالية متنوعة وفاعلة، مع الحفاظ على استقرار السوق النقدي وحماية مدخرات المواطنين.
ولفت صالح إلى أن الإصلاح لا يقتصر على تحديث اللوائح والتشريعات فحسب، بل يشمل أيضًا تطوير مهارات العاملين في القطاع المالي وتطبيق آليات حديثة لإدارة المخاطر، لتعزيز الثقة وتشجيع الاستثمار المحلي والدولي. وقال إن هذه الخطوة ضرورية لتأسيس قطاع مصرفي قادر على مواجهة التحديات الاقتصادية المتغيرة وتحقيق التنمية المستدامة.
الحوار مع المصارف
صالح أشاد بالدور الذي لعبه البنك المركزي في فتح حوار موسع مع المصارف العراقية. مشيرًا إلى أن التعديلات الأخيرة على ورقة الإصلاح المصرفي جاءت استجابةً لملاحظات المصارف، ما يعكس مسارًا تشاركيًا يوازن بين متطلبات الإصلاح وضغوط السوق. وأضاف أن هذا النهج يضمن التدرج والشفافية في تنفيذ الإصلاحات بما يتوافق مع أفضل الممارسات الدولية ويمنع حدوث صدمات في القطاع المصرفي. وأوضح أن خطة الإصلاح تراعي خصوصية البيئة العراقية من حيث نسب الملكية وزيادة رأس المال. مشيرًا إلى إمكانية زيادة رأس المال تدريجيًا مع تطبيق تعديلات مرنة على نسب الملكية العائلية. موضحًا أن رخص المصارف لن تُسحب فورًا لكنها ستظل تحت المراقبة، وفي حال تكرار الإنذارات قد يُجبر المصرف على الاندماج، وإذا فشل في ذلك سيخرج من المنظومة المصرفية بالكامل.
مخاطر مالية حذر صالح من أن الإجراء النهائي للمصارف غير المستجيبة، المتمثل بالانسحاب أو التصفية، يمثل أخطر السيناريوهات، لأنه يضع آلاف المودعين في مواجهة مصير مجهول. وأكد أن البنك المركزي لن يسمح بتصفية أي مصرف يضم أموال المودعين دون إيجاد ضمانات وحلول واضحة لحماية حقوقهم. مضيفًا أن المصارف التي تتفاعل مع خطة شركة (أوليفر وايمان) قد تستفيد من رفع العقوبات الأميركية عنها، إلا أن هذا المسار غير مضمون بالكامل.
يختتم صالح حديثه بالتأكيد على أن الإصلاح المصرفي يشكل خطوة ستراتيجية لتعزيز قدرة النظام المالي على دعم الاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية المستدامة. مشددًا على أن التدرج والشفافية وبناء الثقة العامة هي مفاتيح نجاح أية خطة إصلاح، وأن القطاع المصرفي العراقي قادر على أن يصبح أكثر مرونة وكفاءة إذا ما جرى تطبيق السياسات بطريقة متسقة مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد. وأضاف أن الهدف النهائي هو بناء قطاع مصرفي قوي وشفاف يتيح لجميع فئات المجتمع الاستفادة من خدماته المالية، ويحفز الاستثمارات المحلية والدولية، ويضمن حماية حقوق المودعين ويعزز استقرار الاقتصاد الوطني على المدى الطويل.