علي السومري
من أي نبع يتدفق هذا الجمال؟ سؤال يتبادر في الذهن ما إن تتأمل أعماله التشكيلية؛ كائنات عاشقة، نظرات تبوح بما لا يقال، ألوان وكأنها استخرجت من عوالم أخرى! يالهذه الدهشة، دهشة أن ترى أحلامك ملونة، ومشاعرك المخفية عن أعين الجميع، مرسومة على قماشة لوحاته! هكذا يسبر أغوارنا، نحن التائهين في عتمة اغتراباتنا الداخلية، الضائعين في أوطاننا، المتربصين لأمل سيأتي، ولو بعد حين. لا يمكنك، حين تتأمل لوحاته، إلا أن تشعر بالحب؛ صبايا مؤطرات بلون الليل، شعرٌ منسدل على عيون غارقة في تيه العشق، وعشاق عالقون بفخاخ الوله. فنان استثنائي، وضع بصمته في عالم التشكيل منذ معرضه الأول في ثمانينيات القرن الماضي، حين رسم المدينة كما يراها، لا كما كانت، باصات حمر، أقدام تعبر الطريق، وأخرى ترقص في حفل بغدادي. ستار كاووش المولود ببغداد عام 1963، حصل على شهادة البكالوريوس من كلية الفنون الجميلة عام 1990، أقام معارض عدة؛ شخصية ومشتركة، داخل العراق وخارجه، بينها الأردن، وإيطاليا، وأميركا، وأوكرانيا، والسويد، والإمارات، وألمانيا، وفرنسا، وهولندا، وحصد جوائز كثيرة. ولأهميته في عالم التشكيل، اختارت منظمة العفو الدولية (الأمنستي) لوحته (الحديث بصوت هادئ)، لتضعها على طابعها. صدرت عن تجربته ثلاثة كتب: (الأطياف التعبيرية في تجربة ستار كاووش) للكاتب عدنان حسين أحمد، و(أصابع كاووش) لعدد من الشعراء الهولنديين، جمع وإعداد موفق السواد، و(كاووش وعالمه السحري) للناقد ميشيل فان مارسفين، باللغتين الإنكليزية والهولندية. في عام 2006، اختارته مؤسسة (بيت فان كوخ)، لإقامة معرضه الشخصي فيها. بالرغم من هجرته في تسعينيات القرن الماضي، واستقراره في هولندا، لم ينقطع (كاووش) عن بلده، وظل متواصلًا مع فنانيه وأدبائه، الذين تربطهم به علاقات متينة، فضلًا عن مواصلته الكتابة في الشأن التشكيلي في صحف العراق بعد سقوط الديكتاتورية. أعمال (كاووش) تكشف عن روح الفنان بداخله؛ طفل يلهو بألوانه، يزين الواقع بمخيلته، ويمنح المعنى لوجود طالما أثار أسئلة الدهشة فينا. ها نحن نلوح من هنا، لقامة ارتقت بالتشكيل العراقي في المحافل الدولية، رسام يحلم بالألوان، ويلون أحلامه.