الشبكة العراقية /
يمتلك العراق واحدة من أغنى الحضارات في العالم، ويحتضن مواقع سياحية متنوعة بين الدينية، والتاريخية، والطبيعية، والبيئية، والعلاجية، والترفيهية، وهي مقومات سياحية قلّ نظيرها، إلا أن هذا القطاع الحيوي لا يزال يعاني من الإهمال وسوء التخطيط.
فرص السياحة في العراق تمتد من أهوار الجنوب إلى جبال كردستان، ومن مراقد الأئمة إلى آثار بابل ونينوى، لكنها لم تُستثمر كما ينبغي، فالسياحة ليست مجرد مورد اقتصادي، بل بوابة حيوية للتواصل الحضاري والثقافي مع العالم، وهو ما يتطلب وقف الإهمال واعتماد التخطيط الستراتيجي، لتبني هذا "الكنز المدفون" كأولوية وطنية قادرة على أن تكون أحد مفاتيح النهوض الاقتصادي والاجتماعي للعراق خلال السنوات المقبلة.
تشخيص الخلل
في هذا السياق، شخّص عدد من الأكاديميين الاقتصاديين أبرز العوامل التي تعيق تطوير السياحة في البلاد.
تقول الدكتورة حنان مازن إبراهيم، التدريسية في كلية الإدارة والاقتصاد: "قد يكون عدم الاستقرار التنظيمي أحد أبرز الأسباب التي تواجه النهوض الحقيقي بواقع السياحة، إذ إن تغيّر تبعية هيئة السياحة بين وزارات متعددة (الداخلية، الثقافة، أمانة بغداد، وغيرها)، أفقدها الاستقرار الإداري. كما أن هناك ضعفًا كبيرًا في البنية التحتية، من نقص الفنادق والمرافق الترفيهية، وتردي الخدمات في المواقع الأثرية والدينية، إلى جانب ضعف شبكات النقل والمواصلات السياحية."
وتضيف (إبراهيم) في حديثها لـ "الشبكة العراقية": "غياب الكفاءات والتدريب، ونقل معاهد السياحة إلى وزارة التربية، أدى إلى تراجع أعداد الملاكات السياحية، فضلًا عن ضعف الخبرات الفنية للعاملين في هذا المجال، رغم أن القطاع الخاص يمتلك فسحة من الحرية في الإجراءات الإدارية، إلا أن تجربته لا تزال محدودة."
وتشير أيضًا إلى أن "صعوبة الحصول على التأشيرة العراقية، التي تُعد من الأصعب عالميًا، المرتفعة التكلفة، تنفّر السياح الأجانب. كما أن غياب التخطيط الطويل الأمد يمثل أبرز التحديات، إذ لا توجد خطة ستراتيجية واضحة تمتد لعشر سنوات أو أكثر، وكل حكومة تعمل بشكل مجزأ دون استكمال جهود سابقتها."
جدول تفصيلي
من جانبه، قدّم الدكتور ماجد البيضاني، الأكاديمي الاقتصادي، جدولًا تفصيليًا عن أنواع ومواقع السياحة في العراق، مؤكدًا أن "البلاد تضم أكثر من 200 موقع سياحي متنوع، لكن نسبة قليلة فقط منها تُستغل فعليًا."
ويضيف البيضاني: "هذا القطاع الحيوي لا يزال يعاني من الإهمال وسوء التخطيط، ما يجعله غير قادر على المساهمة الفعالة في الاقتصاد الوطني أو جذب الزوار من الداخل والخارج، فالعراق يتميز بتنوع سياحي نادر يجمع بين الروحانية والتاريخ والطبيعة، لكنه يفتقر إلى رؤية حكومية جادة لتطوير هذا القطاع." وأشار إلى أن "مراقد الأئمة في كربلاء والنجف والكاظمية وسامراء تستقطب ملايين الزوار سنويًا من دول مثل إيران، وباكستان، والهند، ودول الخليج، لكن ضعف الاستثمار في هذه المقومات يحدّ من الأثر الاقتصادي لها."
رافعة اقتصادية
من جانبها، أكدت الباحثة الاقتصادية لبنى الشمري أن "السياحة يمكن أن تكون رافعة اقتصادية حقيقية في ظل التحديات التي تواجه الاقتصاد العراقي." مشددة على أنها تسهم في تنويع مصادر الدخل وتوفير فرص العمل وتعزيز الهوية الوطنية.
وتقول الشمري، في حديثها لـ "الشبكة العراقية" : "لو استُثمر قطاع السياحة بشكل صحيح، فإنه سيكون البوابة الأوسع نحو التنمية. دول مثل تركيا ومصر ولبنان حققت قفزات اقتصادية كبيرة عبر الاستثمار في السياحة، رغم أنها لا تمتلك نصف ما يمتلكه العراق من مقومات تاريخية وروحية وطبيعية."
إلى ذلك، أكدت هيئة السياحة في بيان لها، تابعته "الشبكة العراقية"، أنها حريصة على تنفيذ توجيهات رئيس الوزراء المتعلقة بتطوير القطاع السياحي، مشيرة إلى أنها أجرت متابعة ميدانية حثيثة للإسراع في إنجاز المشاريع السياحية وفق أعلى المواصفات العالمية، بما يعكس رؤية الدولة لتطوير القطاع ورفع كفاءته وفق المعايير الدولية. أضاف البيان: "الهيئة تشدد على أهمية التعاون بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص لتنفيذ المشاريع السياحية بكفاءة وفعالية، والالتزام بالتوجيهات العليا والعمل بروح الفريق الواحد لتحقيق قفزة نوعية في واقع السياحة، بما يسهم في تعزيز مكانة العراق على خريطة السياحة الإقليمية والدولية."