100%
محسن إبراهيم
ما إن ظهر خبر رحيل المخرج مهدي طالب المفاجئ، غير المتوقع، حتى ضجت مواقع التواصل بصوره وكلماته وحكاياته وقفشاته التي لم تتوقف حتى آخر لحظة من حياته. لم تتوقف هواتف الأصدقاء عن الاتصال للتأكد من الخبر، بعضهم توقع أن يكون الخبر مقلبًا من أحد الأصدقاء، لكن الجميع اتفقوا على أن الموت غدر بهم، وفجعهم بصديق قلّ نظيره، وبمبدع كان في أوج عطائه، وبحالم كان لا يخلو مجلسه من أحلام قابلة للتحقيق، ومشاريع جاهزة للتنفيذ.
روح العراق
محمد عبد الجبار الشبوط، رئيس شبكة الإعلام العراقي الأسبق، كتب على صفحته نعيًا عن الراحل الذي ترك أثرًا خالدًا في الدراما العراقية: "عرفناه شابًا مثابرًا، لا يعرف الكلل، يطارد الجمال في كل لقطة، ويجعل من الكاميرا مرآةً لروح العراق وتفاصيله الدفينة. كان مخرجًا موهوبًا بالفطرة، يحمل في رؤيته ومقاربته للعمل الفني حسًا إنسانيًا عميقًا واحترافًا نادرًا. أخرج مسلسل (ضياع في حفر الباطن) عام 2012، عندما كنتُ رئيسًا لشبكة الإعلام العراقي، فكان أول عمل درامي عراقي يُصور في تلك البيئة القاسية، ثم أتحفنا بـمسلسل (وادي السلام) عام 2014، الذي تميز بإخراجٍ بصريٍّ مبتكر، جسّد من خلاله روح المكان وقدسية التجربة العراقية، وهو عمل ما زال يحظى بتقدير نقدي وجماهيري واسع. رحل مهدي طالب مبكرًا، لكنه ترك أثرًا خالدًا في ذاكرة الدراما العراقية، وسيبقى اسمه محفورًا في سجلّ المبدعين الذين صنعوا الفرق رغم قِصر المسيرة."
رحلة مرهقة
أما الشاعر حمزة الحلفي فودعه بقصيدة قصيرة:
"غدر بيك الگلب يامهدي طالب / وانت وي الفرح ياخويه صاحب / صدگ مهدي طفت شمعة شبابك / ما صدگ علينه انقفل بابك / نسئلك وين رايح ماتجاوب."
في حين أعلن الفنان رائد محسن، كما الآخرين، عن دهشته لهذا الغياب المفاجئ، مذكرًا صديقه المخرج مهدي طالب بمشروعه الجديد ونقاشاتهم عنه، تلك التي بترها الموت دون موعد. واصفًا إياه بـ (العارف بتقنيات الكاميرا وتفاصيلها)، وكيف كان يعوّل عليه بإدخال الدراما العراقية إلى المشاهد العربي، مختتمًا رثائه بقوله: "حزين جدًا لأنك خذلتني يا صاحبي، وتركتني وحيدًا."
الفنان محمود أبو العباس، استعاد برثائه بعض ذكرياته مع (طالب) في مسلسل (الماروت)، الذي أخرجه الأخير، واصفًا حياة الراحل بالرحلة المرهقة رغم قصرها: "اذهب بسلام إلى دار السلام، أتعبك الحفر في حفر الباطن، وسخرت من مثالب الدراما في دراما نص كم، وكنت قلقًا من الماروت وأنت تعالج النزق في هذه الحياة، أعمالك كمونتير مجتهد في سوريا، حبك العظيم، وضعت الدراما في نصاب متقدم، ارحل يا مهدي، فقلبك اصغر من هذا الهم والجحود، ارحل لعل ضحكتك الواسعة ستبقى ذكرى لرجل عاش ومات ساخرًا من هؤلاء المصدقين بسخافة الحياة."
سلاح الكوميديا
الدكتور ياسر عدنان، الكتُبي، علق على واجهة مقهاه (كهوة وكتاب) لافتة نعي كبيرة مع صورة للراحل كان يضحك فيها كعادته، حين كان يحول تراجيدياتنا إلى كوميديا، سلاحه الأثير ضد الخذلان والحيف والقهر، متسائلًا: "هل ارتاح قلبك الآن؟ القلب الذي أتعبك وأرهقك طيلة السنين الأخيرة، هل خانك قلبك ياحبيبي، تعجلت الرحيل، مثلك يا سيد لا يعوض أبدًا، صدمة رحيلك لا تعادلها أية صدمة."
الفنان مرتضى حنيص، استغرب هذا الرحيل غير المتوقع وبهذا الوقت، وقت كان فيه الراحل يخطط لمشاريع عدة: "لم أكن أتوقع أن أشاهد لافتة موتك، يا لقساوة هذه الدنيا، نم قرير العين يا صاحبي الحقيقي، وداعًا يا صاحبي الرافض، وداعًا يا صاحبي المبدع، وداعًا يا صاحبي الشجاع، هذه الدنيا لا تليق بأمثالك."
ورثى الكاتب حسن شغيدل الراحل، واصفًا إياه بالصديق المخلص والأستاذ الحر، مذكرًا (طالب) بالأحلام الكثيرة التي كانت تراود الراحل، التي لن تتحقق بعد غيابه، مستفهمًا: "أبا زين، لماذا النوم قرب والدتك في وادي السلام، هو الوحيد من أحلامك الذي تحقق؟"
الإنسان الطيب
الفنان حسن هادي تحدث لـ "الشبكة العراقية" عن هذا الفقد، وذكرياته مع الراحل التي بدأت في دمشق، قبل سنوات طوال، وكيف كان على الدوام مثالًا للصديق الوفي والنبيل، عادًا إياه "امتدادًا أصيلًا للمخرجين الكبار، الذين وضعوا بصماتهم في الدراما العراقية، هو الذي خبر وعرف ما تحتاج الدراما إليه من خلال خبرته وانغماسه في البيئة العراقية."
في حين استذكر المخرج السينمائي عطية الدراجي واحدًا من مواقف المخرج مهدي طالب الراحل، وإيثاره على زملاء مهنته: "أتذكر جيدًا عام 2012، كنا في المسرح الوطني، حيث كرّمت دائرة السينما والمسرح مجموعة من الفنانين، وكان من ضمنهم الراحل مهدي طالب، وحين نادى عريف الحفل عليه لتسلم جائزته، أشار بيده نحوي، ثم قال أمام الجميع (هذه الجائزة يستحقها عطية الدراجي)، وأخذني من يدي إلى المنصة ثم سلّمني الجائزة، لم يكن مهدي مخرجًا فقط ،كان إنسانًا طيبًا، يتعامل مع الآخرين على سجيته." مختتمًا حديثه بقوله: "موتك أوجع قلوبنا، لكنك باقٍ فيها وفي ذاكرتنا.