100%
بنين رزاق
وفاءً لمسيرته الفنية، أقامت نقابة الفنانين العراقيين، في مقر النقابة ببغداد، مجلسًا تأبينيًا للمخرج الراحل مهدي طالب، حضرته عائلة الراحل، والدكتور جبار جودي نقيب الفنانين، المدير العام لدائرة السينما والمسرح، والدكتور عارف الساعدي، المستشار الثقافي لدولة رئيس مجلس الوزراء، وحشد من المثقفين والفنانين والإعلاميين.
عبّر المجتمعون عن حزنهم لهذا الفقد الأليم، مؤكدين أن ذكرى الفقيد ستظل عالقة في قلوب محبيه وأصدقائه، من خلال أعماله النوعية التي قدمها في الدراما العراقية، وأهّلته أن يكون من أبرز مخرجيها.
مونتير محترف
ولد مهدي طالب أواسط السبعينيات ببغداد، درس في كلية الفنون الجميلة بتسعينيات القرن الماضي، وتخرج فيها حاصلًا على شهادة البكالوريوس، عمل في التلفزيون العراقي قبل سقوط الديكتاتورية، إلا أن مزاجه ومشاكساته وتوجهاته المعارضة للنظام، آنذاك، حالت دون استمراره، ما دفعه للهجرة إلى سوريا والاستقرار فيها، وهناك عمل مونتيرًا مع خيرة المخرجين السوريين، من بينهم نجدة أنزور، مساهمًا بتقديم أهم مسلسلاته، ومنها (الكواسر)، إضافة لعمله في مسلسل (حب وسلام) للكاتب والسيناريست حامد المالكي، الذي حقق نجاحًا كبيرًا حين عرضه على الشاشات العراقية.
يُعد الراحل واحدًا من أهم العاملين في المونتاج، خبرته كـ (مونتير) محترف، أهلته لخوض تجربة الإخراج بنجاح، معتمدًا على دراسته الأكاديمية في هذا الفن وما اكتسبه طوال فترة عمله في سوريا.
ثنائيٌ مميز
شكل مع الروائي والسيناريست أحمد سعداوي ثنائيًا مهمًا في الدراما العراقية، كانت باكورة أعمالهما مسلسل (ضياع في حفر الباطن) عام 2012، عن رواية عبد الكريم العبيدي، وحقق المسلسل نجاحًا مدويًا حين عرضه، وشكل انطلاقة مهمة لـ (طالب) و(سعداوي)، إذ تناول قصة جنود تبتلعهم الصحراء بعد عودتهم من الكويت أثناءانسحاب القوات العراقية منها بعد الغزو.
النصّ والسيناريو، اللذان كتبا بعنابة فائقة، ومواقع التصوير التي أجاد اختيارها (طالب)، وحِرفية الكادر، أوصلت العمل إلى قلوب المشاهدين، في زمن غاب فيه مقص الرقيب عن الدراما، ما أتاح للكاتب التطرق للمسكوت عنه في زمن الطاغية، دون مواربة، حيث جرى تسليط الضوء على آثار غزو الكويت المدمرة على الشعب العراقي، الذي أنتج انتفاضة آذار عام 1991.
تعاون استمر بينهما، لينتج مسلسل (وادي السلام) عام 2014، دارت أحداثه في أشهر مقبرة في العالم (وادي السلام)، عن جندي يجتر ذكريات رفاقه الذين فقدهم في حرب عبثية، وحفار قبور، وصانع شواهد، وشاب معارض مطلوب للنظام البائد، دراما غاصت في أعماق المجتمع العراقي، كاشفةً عن عوالم لم يعرفها المشاهد العراقي، وأبطال لم يرهم من قبل، عبر حوارات بقيت حتى اللحظة عالقة في ذاكرة المشاهدين.
أما التعاون الثالث بينهما فكان في مسلسل (مطلوب عشائريًا) الكوميدي عام 2016، عرض على قناة آسيا، وفيه برزت، بشكل لافت، شخصية المخرج الراحل مهدي طالب، الساخرة، التي عرف بها في الوسطين الفني والثقافي، حين سلط الضوء فيه على عادات دخيلة على المجتمع بصورة كوميدية.
كوميديا اجتماعية
في عام 2018، عاد الراحل بعمل جديد من إنتاج شبكة الإعلام العراقي، بعنوان (دراما نص كوم)، كان أقرب للسبوتات الكوميدية منه إلى الدراما، حين مزج فيه النقد الاجتماعي بالمواقف الساخرة، وحقق نجاحًا خلال عرضه في رمضان.
طوال انشغاله في عوالم الدراما، لم يتوقف مهدي طالب عن التفكير بالجديد، كان يؤكد دائمًا، من خلال حديثه مع أصدقائه، أو لقاءاته التلفزيونية، أن إيقاع الحياة في العراق سريع جدًا، وإن كان لابد لنا من صناعة دراما تجذب المشاهدين، فعلينا مواكبة هذه السرعة وتجاوزها.
لم يكن (طالب) مخرجًا استثنائيًا فحسب، بل مشاهدًا مهمًا للسينما العالمية، وقارئًا جيدًا لكل ما يكتب عن السينما والدراما، وكاتبًا مهمًا، وهو ما أثبته من خلال ما نشره من مقالات في (الشبكة العراقية) قبل وفاته.
رحل مهدي طالب، وهو يفكر بأعمال جديدة، منها مسلسل (زهرة الشواكة)، الذي انشغل به مع (سعداوي) لسنوات طوال، لكن عجلة الإنتاج لم تصله، فبقي مركونًا على الرفوف المهملة.
في بيان النعي الذي نشرته نقابة الفنانين، وكلمات الرثاء والقصائد التي كتبت، ومازالت حتى اليوم تنشر بعد خبر رحيله، اتفق الجميع على أن الراحل غادرهم جسدًا، لكنه سيبقى إلى الأبد عالقًا في ذاكرتهم، مخرجًا وإنسانًا، ومبدعًا كبيرًا.