100%
محسن العكيلي – ريا وسمي
تصوير / خضير العتابي - وكالات
شهدت بغداد، مؤخرًا، واحدًا من أجمل فعالياتها الفنية، حيث اختتم على مسرح الرشيد، بعد أسبوع من انطلاقه، مهرجان بغداد السينمائي الدولي بدورته الثانية، بحضور حشد كبير من الفنانين والمثقفين العرب والعراقيين، في حفل كبير، أعلن خلاله عن جوائز المهرجان.
المهرجان الذي انطلق في الـ 15 من الشهر الجاري، برعاية من لدن رئيس مجلس الوزراء، شارك فيه 64 فيلمًا عربيًا وأجنبيًا، جرى اختيارها من ضمن مئات الأفلام التي قدمت للمهرجان، بعد خضوعها لفحص دقيق من قبل لجان المهرجان، الذي ترأسه الدكتور جبار جودي، نقيب الفنانين، المدير العام لدائرة السينما والمسرح، وأداره الدكتور حكمت البيضاني.
حفل الافتتاح، الذي أقيم في سينما المنصور بساحة الاحتفالات الكبرى، استهل بتكريم رائدات السينما العراقية، (زهرة الربيعي، هند كامل، هناء محمد، سناء عبد الرحمن، د. عواطف نعيم، سوسن شكري، د. سهى سالم، د. ليلى محمد، د. شذى سالم، فاطمة الربيعي، آسيا كمال، أميرة جواد، عواطف السلمان، نسرين عبد الرحمن، أثمار خضر، رجاء كاظم، خيرية المنصور، ابتسام فريد، فوزية حسن، وسليمة خضير) لدورهن المؤثر في إغناء الحركة الفنية وتاريخ السينما العراقية، عرض بعدها فيلم (سعيد أفندي)، المُنتج عام 1957، الذي يُعد وثيقة فنية مهمة، تؤكد أصالة الفن السينمائي العراقي.
وقد تميزت دورة هذا العام بتنوع أفلامها، في دلالة على رؤية فنية تعكس حيوية المشهد السينمائي العراقي وانفتاحه على التجارب العربية والعالمية.
نزهة ثقافية
الدكتور جبار جودي، أكد في حديثه لـ (الشبكة العراقية)، إن إدارة المهرجان ارتأت اختيار رؤساء وأعضاء لجان التحكيم من الأسماء اللامعة والبارزة، ممن يمتلكون الخبرات والتجارب السينمائية المتميزة.
موضحًا أن المسابقة الرسمية للمهرجان ضمت 15 فيلمًا روائيًا طويلًا، عراقيًا وعربيًا، موضحًا أن مشاهدة الأفلام في صالات السينما العراقية تعد نزهة ثقافية وسياحية للجمهور العراقي المتعطش للسينما.
بيئة احترافية
فيما قال الدكتور حكمت البيضاني، مدير المهرجان، لـ (الشبكة العراقية)، إن بغداد فتحت ستائرها للسينما، من خلال إقامة مهرجانها السينمائي الدولي بنسخته الثانية، برؤية فنية متجددة، وبمشاركة غالبية الدول العربية، كما بيّن أن المهرجان شهد إقامة (أيام بغداد لصناعة السينما)، باعتبارها منصة مهنية، تتضمن فعاليات تهدف لدعم صناعة سينمائية وطنية، قادرة على المنافسة وخلق بيئة احترافية متكاملة، تربط المشروعات السينمائية الإبداعية بفرص التمويل، وشبكات الإنتاج المشترك، وقنوات التوزيع، وذلك عبر برنامج متوازن يجمع بين التطوير الفني والتأهيل التجاري، إذ جرى اختيار 20 مشروعًا من الأفلام العراقية الطويلة والقصيرة، في مرحلة التطوير، ومرحلة ما بعد الإنتاج، عبر مبادرة دعم السينما.
لجان التحكيم
ضمت لجان التحكيم عددًا من نجوم السينما العراقية والعربية، وفي حديثه لـ (الشبكة العراقية)، قال الممثل السوري غسان مسعود، الذي ترأس لجنة الفيلم الروائي الطويل: "إن إقامة مهرجان فني في بغداد وسط الظروف الصعبة حمل رسالة قوية، مفادها، الفن أقوى من الموت." مضيفًا: "إنّ نصف ثقافتي عراقية."
أما المخرج المصري خالد يوسف، أحد أعضاء اللجنة فقال: "مشاهدتي لأعمال المهرجان، أظهرت تنوع التجارب العربية، كل فيلم له بصمته الخاصة، ولا يمكن الحكم عليها بمعيار واحد."
وتحدث الفنان مقداد عبد الرضا، أحد أعضاء لجنة التحكيم للفيلم االروائي لطويل لـ (الشبكة العراقية) قائلًا: "أية خطوة فيها جمال وثقافة ومسرح، هي خطوة للأمام ورفع شأن لبغداد."
كما أعربت الفنانة المصرية بشرى، عضو لجنة التحكيم عن سعادتها بالمشاركة في هذا الحدث الثقافي المهم.
بينما ضمت لجنة الفيلم الروائي القصير، كلًا من الناقد علاء المفرجي، وصيفة تونسية، وحيدة الدريدي، والممثلة المصرية داليا البحيري، التي تحدثت لـ (الشبكة العراقية) قائلةً: "إن المشاركة في لجان التحكيم، كانت تجربة تعليمية." مضيفة إن العمل مع زملاء عرب وعراقيين، منحها فرصة للإطلاع على رؤى جديدة في الإخراج والتمثيل.
لفتة إنسانية
في لفتة وفاء إنسانية، كرّم مهرجان بغداد السينمائي الدولي الفنانة الراحلة إقبال نعيم، تقديرًا لمسيرتها الفنية الثرية التي امتدت لأكثر من أربعة عقود، إذ عرض فيلم وثائقي قصير، استعرض أبرز محطات حياتها الفنية، تسلمت بعدها شقيقتها، الفنانة والمخرجة عواطف نعيم، التكريم نيابة عن الفنانة الراحلة، وأعربت (نعيم) عن شكرها للمهرجان قائلةً: "شكرًا لمهرجان بغداد السينمائي على تكريم شقيقتي إقبال، التي رحلت عن عالمنا في تموز الماضي، هذا التكريم يعكس الوفاء لتاريخها الفني الكبير، ويُعدّ بمثابة استعادة لمكانتها في الفن السابع، رغم مسيرتها المسرحية الكبيرة."
محطة ثقافية
وعلى صعيد الورشات، قدم المهرجان برنامجًا غنيًا يشمل كتابة السيناريو، والإخراج، وصناعة الأفلام، والنقد السينمائي، وأفلام الموبايل، والإنتاج، بمشاركة سينمائيين بارزين من العراق ومصر والأردن وفلسطين.
الدورة الثانية لمهرجان بغداد السينمائي لم تكن مجرد عروض أفلام، بل كانت محطة ثقافية حية، تجمع بين الخبرة والتجديد، بين العراق وتونس، لتؤكد أن السينما ليست فقط مرآة الواقع، بل إنها جسر بين الشعوب والأجيال، حيث يلتقي الإبداع بالتاريخ والهوية والفن المعاصر.
من جانبه، عبّر الصحفي والباحث العراقي د. صفاء صنكور، في حديثه لـ (الشبكة العراقية)، عن سعادته بحماس الشباب العراقي خلال فعاليات المهرجان، مبديًا فخره بالشباب العراقي وإبداعهم المميز خلال المهرجان، عادًا ذلك مصدر فخر وإلهام للمستقبل الثقافي في بغداد.
في حين قال المخرج قتيبة الجنابي: "كنت أتمنى منذ سنوات طوال أن يكون في بغداد مهرجان سينمائي، وخلال سنوات كثيرة حضرت خلالها مهرجانات عربية ودولية، وأنا أحلم بوجود مهرجان عراقي، وهاهو الحلم أصبح حقيقة."
ضيف شرف
حضور جمهورية تونس الخضراء كان مميزًا في المهرجان، إذ كانت ضيف الشرف فيه، حيث عرض في اليوم الثاني منه، فيلم (صمت القصور) للمخرجة التونسية مفيدة التلاتلي، وجرى بث النشيد الوطني التونسي، إلى جانب تكريم المنتج الراحل نجيب عياد، الذي تسلمت درعه التكريمي منيرة منيف، مديرة الفنون السمعية والبصرية في وزارة الشؤون الثقافية التونسية، التي صرحت لـ (الشبكة العراقية): "نحن فخورون بأن تكون تونس ضيف شرف مهرجان بغداد، هذا الحدث يشكل منصة لتبادل الخبرات السينمائية، ودعم صنّاع الأفلام من مختلف الأجيال." وعلى هامش المهرجان جرى توقيع كتاب لمياء بالقايد قيقة بعنوان (الكاميرا شاهدة.. أجيال ما بعد الثورة) إلى جانب عروض لأفلام قصيرة لمخرجين شباب.
أما مديرة الاتصال والإعلام في وزارة الشؤون الثقافية التونسية، يسر الحزقي، فشددت على أن المشاركة التونسية تعكس اعترافًا بمكانة السينما التونسية التي تحتفل منذ عامين بمئويتها، مؤكدة أن هذا التعاون الثقافي بين بغداد وتونس يمتد ليشمل المسرح والموسيقى والمعارض الدولية للكتاب، في مسعى لتعزيز حضور الثقافة العراقية على الخريطة العربية.
ختامها مسك
في ختام فعاليات المهرجان، التي أقيمت على مسرح الرشيد، بحضور جماهيري وفني كبير، أعلنت جوائز المهرجان، بعد تكريم لجانه، الذين بذلوا جهودًا كبيرة في فحص مئات الأفلام العربية والعراقية، وكانت كالآتي: جائزة أفضل فلم أول، كانت من نصيب فيلم (ضي) لكريم الشناوي، أفضل فلم ثاني، حصل عليها فلم (أناشيد آدم) لعدي رشيد، أما جائزة أفضل فلم ثالث فقطفها فلم (أرزة) لميرا شعيب.
كما حصل فلم (أرزة) على جائزة أفضل سيناريو، أما جائزة أفضل تصوير فكانت من نصيب فلم (ابن آشور) لفرانك جلبرت.
وحصل المخرج (ريغا برزنجي) على جائزة افضل مخرج، عن فلمه (ندم)، في حين حصل الفنان بكر خالد، على جائزة أفضل ممثل عن فلم (ندم)، أما جائزة أفضل ممثلة فكانت من نصيب الفنانة (اسلام مبارك) عن فلم (ضي)، في حين حصل الفنان وسام ضياء على جائزة الجمهور عن فلم (جريرة)، وذهبت جائزة لجنة التحكيم إلى الفنانة سلمى لحود سعيد، أما في فئة أفلام (الأنميشن) ففاز فيلم (نابو) سيناريو وإخراج حسين العكيلي، كما فاز فيلم (سحر) بجائزة أفضل فيلم روائي قصير، وهو من إخراج كحيل خالد.
كما أقيمت على هامش المهرجان فعاليات أيام صناعة السينما، إذ شهدت الجلسة الختامية إعلان نتائج مسابقة المشروعات السينمائية، وتوزيع الجوائز على الأفلام الفائزة، وسط حضور لافت من السينمائيين والنقاد والمهتمين، وكانت النتائج كالآتي: فوز كل من فيلم (الصورة التي لا تُرى)، وفيلم (ولادة) للمخرج نور الدين ساري، وفيلم (ضيف) للمخرج الدكتور سالم شدهان، وفيلم (حدث ذات مرة في بغداد) للمخرج ياسر شلش، وفيلم (أسرار النهر القديم) للمخرج ضياء جودة، وفيلم (أمير نفسه) للمخرج محمد هذال، وفيلم (فاعل خير) للمخرج مهند الطيب.
يذكر أن فعاليات المهرجان تضمنت أنشطة عدة، بينها حفل لتوقيع عدد من الكتب المختصة بالسينما وإنتاجها، قدمها مؤلفوها إلى جمهور المهرجان.
أخيرًا أسدل الستار على مهرجان بغداد السينمائي الدولي بدورته الثانية، لكن عجلة السينما وصنّاعها مازالت تدور، استعدادًا للمهرجان المقبل في السنة المقبلة، مهرجان أثبت أن العراق، الذي تصدر المشهد المسرحي في العالم العربي، قادر على المنافسة في السينما وفنونها، من خلال فنانيه الذين تشبثوا بالأمل ونجحوا يصياغة مشهد سينمائي حقيقي في العراق.