100%
حوار / زياد جسام
صوت شعري بارز وفاعل ثقافي مؤثر في المشهد العراقي، يمضي بين القصيدة والمشروع الثقافي بخطى واثقة، جامعًا الموهبة والمسؤولية، ومُصرًا على أن يكون الشاعر الذي لم تطفئه المناصب، بل زادته اقترابًا من جوهر الكلمة. إنه الشاعر عارف الساعدي الذي حاورته (الشبكة العراقية) لتسليط الضوء على منجزه الإبداعي ورؤيته لمكانة الشعر اليوم.
*هل القصيدة اليوم ما زالت قادرة على التأثير في وعي المجتمع، أم أنه زمن الأشكال الأخرى من التعبير كـ (السوشيال ميديا)؟
- بإمكان القصيدة أن توثر، خصوصًا إذا كانت صادرة من شاعر مؤثر، له مساحته في الشعر والأدب، وبإمكان القصيدة أيضًا أن تكون جزءًا من (السوشيال ميديا)، وأن تستثمر هذه التقنيات الحديثة لتبث محتوىً مهمًا مثل الشعر، وفي بعض المرات يجري التركيز على نصوص محددة لأنها منشورة على لسان نجوم (السوشيال ميديا)، فلو أنها بثت من خلال صفحات شعرائها لما اهتم بها أحد، لذلك تسويق النصّ هو الذي يحدد بوصلة الاهتمام، فضلًا عن جودته.
*في شعرك نلمس مزاوجة بين الموروث والحس المعاصر، هل هو خيار جمالي أم حرص على تأكيد الهوية الثقافية؟
- مثلما قيل عن الأسد أنه عبارة عن خراف مهضومة، كذلك النصّ الشعري والأدبي عمومًا عبارة عن تقاطع ثقافات وملتقى حضارات، فلا يمكن الانقطاع عن التراث بوصفه خزانًا لكل شيء، من العلوم والمعارف والأخلاق والأديان والأساطير والحكايات، إلى المعاصرة بوصفها وصفة يجب على الشاعر المعاصر أن يسير في ضوئها، ليكون النصّ ملتقى التراث والمعاصرة، أو أن النصّ عبارة عن حوار حضاري، وهذا الأمر لم يكن مخططًا له في البداية، لأن البدايات فيها من الطفولة الكثير، وفيها من الانشداد إلى الماضي أكثر، لكن الشاعر حين يتطور، شيئًا فشيئًا، فإنه سيجد نفسه في عزلة ثقافية، ويبقى مشدودًا للماضي. وكذلك حين يغوص في المعاصرة سيتغرب أيضًا، فما عليه إلا أن يكون نصّه ملتقى للنصوص بين الماضي والحاضر، وهذا ما حاولنا أن تكون عليه نصوصنا ونصوص عدد من شعراء جيلنا، ولا أعرف كم نجحنا في هذه المعادلة الصعبة.
*كيف تنظر إلى علاقتك بالأجيال الشعرية الجديدة؟
-على المستوى الشخصي فأنا أستطيع أن أقول إني في تماس مع تجارب الشعراء الشباب والأجيال التي تلتنا، من حيث طباعة أعمالهم، أو قراءة مجاميعهم، أو المشاركة معهم في نشاطاتهم، لأني مؤمن تمامًا أن الحركة الشعرية إن لم تُضخ فيها دماء جديدة كل عشرة أعوام، فإنها ستصبح عبارة عن بحيرة راكدة، لا معنى لها، الجيل الآن الذي ولد، وليست أمامه أية آيدولوجية، جيل بلا آيدولوجيات ضاغطة، ولا خوف من السلطات، الآفاق مفتوحة أمامهم، وهذه عناصر قوة لهم بلا شك. لكن عناصر القوة هذه تمنح في بعض الأحيان حالة من اللامبالاة والوهم، والوهم أكثر الأمراض شيوعًا في الأوساط الأدبية والثقافية، وقد كتب المفكر العربي علي حرب قبل سنوات كتابه المهم (أوهام النخبة)، إذ يظن بعض المثقفين أن الكون متوقف على نصه الشعري أو القصصي، وأن مقالته ستغير العالم، وأن وأن وأن.. وهذه كلها أوهام، للأسف لم يستطع المثقف العربي، وليس العراقي فقط، التخلص منها، وأن يتعامل بشكل طبيعي، وأنه بشر طبيعي وليس نصف إله، متى ما اقتنع المثقف بأنه ليس نبيًا ولا نصف إله سيكون منتجًا بشكل عظيم.
*شاعر أولًا، ثم مستشار ثقافي لرئيس الوزراء، والآن تتولى رئاسة اتحاد الأدباء.. هل تشعر أحيانًا أن المناصب حاصرت صوتك الشعري، أو أرغمته على الصمت؟
- دائمًا أقول إن المتن الأساس في حياتي هو الشعر، ولا يستطيع أي شيء آخر مزاحمة هذا المكان، ذلك أن كل شيء، ما عدا الشعر، هو هامش، أما العمل الوظيفي فقد أكذب عليك حين أقول لك إنه غير موثر، ذلك أن الالتزامات الإدارية الكبيرة، والمسؤوليات التي على عاتقي، منعت عني كثيرًا كتابة الشعر والقراءة اليومية الجادة وكتابة المقالات، كما منعت عني حتى رؤية أطفالي، والنوم في كثير من الحالات، لكن ما يشفع لكل هذه الالتزامات هي نوعية المشروعات التي أطلقناها وأشرفنا عليها، ونجحنا في الكثير منها ولله الحمد، فمن شارع الرشيد وتأهليه وزقاق السراي إلى مبادرات دعم الدراما والسينما والفعاليات الثقافية وطباعة الكتب، إلى عشرات المشروعات المهمة في الشأن الثقافي، وهذه كلها لا تأتي من البقاء في البيت وكتابة الشعر فقط، إنما من المسؤولية التي تحملناها، والمقترحات التي أمنت بها الحكومة ونفذتها، والإشراف عليها جاء من خلال التعب والسهر والمتابعة والالتزام، وكل ذلك منع الشعر، للأسف، ومع هذا فإني أسرق من الوقت، بين مدة وأخرى، لأكتب بعض النصوص، وقريبًا سيرى النور ديواني السابع (قصائد الحاسوب)، وهو الآن في المطبعة، وسينشر من خلال دار ومكتبة عدنان.
*ما التحديات الكبرى التي تواجهك في رئاسة اتحاد الأدباء؟
-قلتها وأقولها إن رئاسة اتحاد الأدباء مهمة المهمات، لأن الدخول في هذا العالم عن طريق ثقة الأدباء أمر مختلف عن التعيين مستشارًا أو مديرًا عامًا، والمهمة ليست سهلة على الإطلاق، وأهم التحديات هي الثقافية والمواجهة المباشرة مع عدد ليس بالقليل من الزملاء الأعضاء، في أن تواجههم بصراحة وجدية في تطوير أدواتهم، وعدم الذهاب وراء الأوهام، كما قلنا أعلاه، لأن عددًا كبيرًا منهم يظنون أنفسهم عظماء، وهذا الظن يستوجب أن تفتح لهم المنصات والمشاركات.. ووو، وحقيقة الأمر أنهم غير مهمين على الإطلاق، وبعض منهم يسيء للمنصة حين يرتقيها. لذلك هذا تحدّ كبير في مواجهة هذا المد ومصارحته، وهذا ما أعمل مع الأصدقاء في إدارة الاتحاد عليه، في صناعة مشهد ثقافي يليق بالثقافة العراقية وبالاتحاد. الأمر الآخر هو انفتاح الاتحاد على المشهد كليًا وعدم الاكتفاء بالأعضاء المنتمين له، ذلك أن الفضاء الثقافي أوسع من فكرة الاتحاد وعضويته، فالانفتاح ينبغي أن يكون على جميع الأجيال والفعاليات والمنظمات والجامعات.
*من موقعك كمستشار ثقافي لرئيس الوزراء، هل تجد أن الثقافة اليوم تحظى بالأهمية الكافية في برامج الدولة؟ أم أنها ما زالت على الهامش؟
-بصراحة لم يتضمن البرنامج الحكومي في بداية الأمر أي بند للثقافة، إنما كانت هناك فقرة تخص السياحة والآثار، لكن بعد أن باشرت وظيفتي مستشارًا للرئيس للشؤون الثقافية، فإن الثقافة أصبحت واحدة من أولويات عمل الرئيس وعمل الحكومة، ذلك أن السيد رئيس الوزراء لم يعتذر عن أي طلب ثقافي قدمناه لمكتبه، بل إن عددًا كبيرًا من المشروعات الريادية انفتحت أبوابها في هذه الحكومة، مثل الالتفات لمئوية نازك الملائكة، أو الإعلان عن مئوية السياب والبياتي وبلند، أو المهرجانات الكبرى للشعر والمسرح والسينما.. وغيرها كثير. كل ذلك حظي بدعم ورعاية السيد رئيس مجلس الوزراء، الذي لم يتردد في الموافقة على أي طلب ثقافي، فضلًا عن الرعاية الاجتماعية والصحية للأدباء والفنانين، التي تحدث للمرة الأولى، إضافة إلى ما تقدمه وزارة الثقافة من خلال برنامجها الحكومي وموازناتها الخاصة، برغم شحتها، للأسف، وانقطاعها طيلة الأشهر الماضية.