100%
عبد المنعم الأعسم
المبالغة في الكلام وسيلةُ ضعيف الحجة في إقناع الآخر والجمهور. هي صنعة من يسعى إلى لفت الانتباه إليه، بخِفةِ سردٍ يختلط بالكذب (المُصفط) والحركات الإضافية النافعة في استدراج المستمعين والمشاهدين إلى ما يروي ويقول، وبالأخص، ما يرافق الانعطفات والتجاذبات السياسية، ونراها هذه الأيام، بالصوت والصورة على أكثر من شاشة، ومن عديد اللاعبين في الإعلام.
يشار في أدبنا الشفاهي، وما يروى عن قصّخونات المقاهي الشعبية، انتشار رواد المبالغة وحكواتية القنفات، البارعين في هذه المهارة، التي يبدو أنها تمتد إلى قرون بعيدة، خصوصًا في بغداد، وهذا بعض ما رواه ياقوت الحموي في (معجم الأدباء) عن شخص أسماه (أبو القاسم الجهني)، يورد من الحكايات ما لا يُقبل، ولا يدخل في معقول، وكان الجلساء لا يخلون عند حديثه من التعجب والاستطراف: "فما كان في بعض الأيام، جرى الحديث عن شجر النعناع، وإلى أي حد يطول، فقال الجهني: في البلد الفلاني يتشجّر النعناع حتى تُعمل من خشبه السلالم."
وبين أيدينا الرواية المتناقلة عن اجتياح مغول هولاكو بغداد العام 1258م وإغراقها في بحيرة من الدماء، حيث فقدت آلاف الضحايا، غالبيتهم من جند آخر الخلفاء العباسيين المعتصم بالله، وأفراد الأسرة وحاشيتها والمدافعين عنها، وإذ اتفق الرواة على بشاعة أيام الاحتلال الثمانية التي شهدتها بغداد، فإن واقعة إتلاف الكتب والمجلدات النفيسة، التي تضمها خزائن ومكتبات بغداد، رويت بمبالغات كثيرة، منها أن "المغول بنوا اسطبلات الخيول و(طولات) المعالف بكتب عوضًا عن الِّلبْن." أو أنهم "رموا كتب بغداد في بحر الفرات وكونت جسرًا يمرون عليه ركبانًا ومشاة، كما تغير لون الماء بمداد الكتابة إلى السواد." فيما أحيطت هذه الروايات، في المناسيب التي أوردتها، بالشكوك.
وقد توصل محقق معاصر، هو (محمد مفيد آل ياسين) إلى أن أهل الحلة والكوفة والسيب كانوا غداة الاحتلال المغولي "يجلبون إلى بغداد الأطعمة، ويبتاعون بأثمانها الكتب النفيسة." وهي اشارة إلى انتشار الكتب وخزائنها في بغداد بعد الاحتلال، مما يجري التداول به، فيما يُذكر أن مدينة بغداد، وقبل عامين من احتلال هولاكو، تعرضت إلى فيضان لا سابق له، حيث التقى دجلة والفرات وأغارا على خزائن الكتب والبشر، "وغمرت موجاتهما الجامحة سطوح المنازل وأنصاف شاهق المنائر."
على ان المبالغات تتجاوز حدود الطرافة والخدعة المسلية إلى تضليل التاريخ، ويرد موقع (ويكوبيديا) المتخصص أن "المبالغات تعني إبراز المعنى وتضخيمة بهدف التأثير في المتلقي." أما في قاموس اللغة، فإن "المبالغة من أسماء الفاعل، تدلّ على الكثرة، وتكثير عناصر الرواية."