100%
رجاء الشجيري
كان العراق من أوائل الدول التي أشركت المرأة في العمل الدبلوماسي، حين أرسل أولى بعثاته للعمل في ذلك المجال، من ضمنها دبلوماسيات في عامي 1934–1935 إلى إسطنبول وبيروت. وبرغم عددهن القليل جدًا، إلا أنهن تبَوأن مكانة دبلوماسية مهمة. ومع التطورات وتزايد صراعات العصر وتعقيداته وتنوعه، سواء كانت صراعات مسلحة، أو اقتصادية، أو إعلامية، أو بيئية مناخية، أو أوبئة وأمن غذائي وسيبراني.. إلخ، فإن الحاجة لمشاركة المرأة وتعزيز دورها بات أمرًا مهمًا.
لكن اللافت للنظر الآن أنه لا توجد سوى سفيرة عراقية وحيدة، هي صفية سهيل، سفيرتنا في السعودية، أما النساء الدبلوماسيات الأخريات، فهن إما وزير مفوض، أو مستشار كرئيس بعثة قائم بأعمال مؤقتة. وفي معلومات حصرية حصلت عليها "الشبكة العراقية" من وزارة الخارجية، فإن العدد الدقيق للنساء الدبلوماسيات (حتى هذا العام) هو 387 دبلوماسية، منهنّ بعض القائمات بأعمال السلك الدبلوماسي، مثل انتصار فاضل عباس (سدني)، ولينا جلال عمر (صوفيا)، وفريال عبد النبي محمد (تبلي سي)، ومياده عبدالله ياسين (بلغراد).
أوليات الدبلوماسيات
الدبلوماسية العراقية ليست بحديثة عهد، فهي تمتد إلى أحد عشر قرنًا، ففي عام 921م (309 هـ) خرجت من بغداد أول بعثة دبلوماسية يرأسها (أحمد بن فضلان) إلى قارة أوربا في (أرض الصقالبة) بأمر من الخليفة العباسي (المقتدر بالله) تلبية لطلب ملكهم من أجل التعريف بالدين الإسلامي. وهكذا كانت الشواهد كثيرة بين الخلفاء والملوك والرؤساء بإرسال مبعوثيهم للتفاوض والتباحث في شؤون البلاد السياسية ومختلف أحوالها. وكانت أول وزارة خارجية في أول حكومة عراقية في عام 1924 برئاسة ياسين الهاشمي، الذي كان حينها يشغل منصب رئيس الوزراء العراقي بعد مصادقة الملك فيصل الأول عليها. لتتوالى بعدها أعمالها ومهامها.
من النساء المميزات، اللواتي عملن في السلك الدبلوماسي، سهى الطريحي، خريجة الجامعة الأميركية في القاهرة. عملت في وزارة الخارجية إبان ثورة 14 تموز 1958 في عهد وزير الخارجية هاشم جواد، وقد وصلت إلى (وزير مفوض). وأوردت لنا الكثير من أسماء وأخبار العراقيات ممن عملن معها، أو قبلها، في وزارة الخارجية، عبر مذكراتها وكتابها الذي أصدرته في القاهرة عام 2018: "مذكرات دبلوماسية عراقية 1959–1991." وقد ذكرت فيه بأن السيدة بديعة أفنان كانت قد حضرت اجتماعات عصبة الأمم المتحدة، أي قبل تأسيس الأمم المتحدة. كما تحدثت عن أول دبلوماسية عراقية وعربية، ألا وهي سرية خوجة، التي كانت الملحق الثقافي بسفارة العراق في بيروت، لبنان، عامي 1957 و1958، وتبوأت في الستينيات منصب وزيرة مفوضة في الخارجية العراقية. كما تذكر الدبلوماسية العراقية فيحاء إبراهيم كمال، التي عملت عام 1959 في ممثلية جمهورية العراق الدائمة في نيويورك، التي انتقلت إلى العمل في الأمم المتحدة عام 1963، حين تسلّمت رئاسة سكرتارية اللجنة الثالثة في الأمم المتحدة في عقد الثمانينيات. كما كانت القائم بأعمال سفارة العراق لدى رومانيا فريال عبد النبي محمد من النساء الدبلوماسيات المميزات في وزارة الخارجية.
أبحاث وتحديات
المشاركة السياسية الدبلوماسية، برغم ذكر نماذج نساء رائعات أعلاه كُنّ أهلًا في دعمها وتمثيل البلد، إلا أن استمرارها إلى الوقت الحالي محاط بالمخاطر والتحديات، والعدد القليل لم يعزز كثيرًا من الحضور.
فقد تناولت د. أزهار عبد الكريم الشيخلي (كلية الفارابي الجامعة) في بحثها المعنون: (العمل السياسي للمرأة العراقية: المخاطر والتحديات)، أوجه الصعوبة التي تواجه النساء، وسردت فيه المواثيق والاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية سيداو (وثيقة الحقوق الدولية للنساء، الموقعة سنة 1979)، التي تتحدث عن حقوق المرأة. وتساءلت: هل أن هذه المواثيق كانت ضمانًا كافيًا لعمل المرأة في المجال السياسي؟ خاصةً في ظل ما تتعرض له من ضغوط، منها الإهانة، أو الانتقاص العلني، أو التسقيط، أو وجود تنظيمات سياسية لا تؤمن بدور المرأة، أو لا تُشركها فعليًا في العمل السياسي. كما تضمن بحثها تقديم معالجات واقتراحات لتعزيز دور المرأة سياسيًا ودبلوماسيًا.
أما الباحثة م.م. شيماء علك حافظ (كلية الإسراء الجامعة)، فقد ركزت في بحثها الموسوم (العمل الدبلوماسي للمرأة خلال مائة عام من تاريخ العراق المعاصر.. نماذج مختارة) على تنامي الموضوعات والقضايا الدولية المرتبطة بعصر الاتصالات والتكنولوجيا، وظهور مفاهيم جديدة مثل (الدبلوماسية النسوية)، وهو مفهوم حديث ومرن يختلف من دولة إلى أخرى. كما ذكرت نماذج للنساء العراقيات منذ تأسيس وزارة الخارجية العراقية وما بعد الحكم الجمهوري، حين وصلت المرأة العراقية في عام 1959 إلى مناصب سياسية مهمة، إذ تسلمت كل من الدكتورة نزيهة الدليمي وسعاد خليل إسماعيل وزارات مهمة، واشتركتا في تخطيط السياسة الوطنية. كما أوردت الباحثة ذكر الدكتورة سهى الطريحي كسفيرة في جنيف ووزير مفوض لاحقًا.