أحمد النجفي /
في تحوّل استثنائي يعكس تغيرًا في بوصلة أولويات الحكومة، أعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أن الزراعة لم تعد قطاعًا هامشيًا في الخطاب السياسي، بل أصبحت "الركيزة الأساسية للاقتصاد الوطني." جاء ذلك خلال لقائه عددًا من أساتذة كلية الزراعة في جامعة بغداد، إذ أكد أن الحكومة تعوّل على البحث العلمي والخبرات الأكاديمية لتجاوز التحديات المتراكمة التي أحاطت بهذا القطاع لعقود. السوداني شدد على أهمية الابتكار الزراعي وتشجيع استخدام التكنولوجيا الحديثة لتطوير البنى التحتية وتحسين الإنتاج، كاشفًا عن إجراءات حكومية فعّالة لدعم العملية التعليمية في كليات الزراعة وتسهيل مهام الأساتذة والباحثين ليكونوا طرفًا فاعلًا في مشروع التحديث الزراعي. ومنذ عام 2022، بدأت الحكومة بإطلاق حزمة من المشاريع الطموحة لإعادة الحياة إلى الأرض العراقية، كان أبرزها تحقيق طفرة في إنتاج الحنطة، إذ بلغ الإنتاج المحلي في عام 2025 نحو 6.4 ملايين طن، متجاوزًا الحاجة الداخلية المقدرة بخمسة ملايين طن، ما مكّن الدولة من تصدير الفائض إلى دول مثل تونس. كما شهد القطاع طفرة في تنويع المحاصيل، فقد صدّر العراق ثلاثة عشر نوعًا من الخضار والفواكه، أبرزها الطماطم والبطاطا والخيار والبطيخ والرز والتمور. وعلى مستوى تقنيات الري، جرى تركيب أكثر من سبعة آلاف منظومة ري حديثة، ما أضاف مليونًا ونصف المليون دونم إلى الرقعة الزراعية. ولم تقتصر الجهود على الزراعة فحسب، بل انطلقت أيضًا إلى التصدي لآفة التصحر، إذ شرعت الحكومة باستصلاح نحو 3.5 ملايين دونم من الأراضي الصحراوية، فيما خصصت أراضي زراعية للشباب الخريجين بمساحات تصل إلى 50 دونمًا لكل منهم، بهدف خلق فرص عمل وتحقيق الاكتفاء الذاتي معًا. يرى المستشار في وزارة الزراعة، مهدي القيسي، أن الزراعة قد تمهد الطريق لإصلاحات اقتصادية عميقة إذا ما جرى توجيه الاستثمارات نحو الصناعات الغذائية والثروة الحيوانية وتربية الأسماك. مشيرًا إلى أن هوية العراق في جوهرها زراعية، لكن تعزيز هذا الدور يتطلب تسريع التحوّل إلى الزراعة الذكية واستعمال بذور مقاومة للجفاف. أما عضو لجنة الزراعة النيابية النائب السابق فرات التميمي، فقد رأى أن الدعم الحكومي للمزارعين، رغم ضخامته، لا يزال يفتقر إلى ستراتيجية طويلة الأمد تحوّله من دعم استهلاكي إلى استثمار منتج. من جانبها، دعت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) العراق إلى اعتماد أنظمة ري ذكية تستند إلى بيانات الأقمار الصناعية، لتقليل الهدر وتحسين الإدارة المائية. وفي ملف النخيل والتمور، قفز عدد نخيل العراق من 9 ملايين نخلة عام 2003 إلى 22 مليونًا في عام 2025، مع خطة لبلوغ 30 مليون نخلة بحلول عام 2030. وتوسعت الزراعة النسيجية لتشمل أصنافًا فاخرة مثل (المجهول) المغربي و(دقلة نور) التونسي، فيما بلغت صادرات التمور أكثر من 730 ألف طن إلى أسواق أوربية مرموقة. لكن، بالرغم من هذه المنجزات، لا تزال الزراعة تسهم بنسبة لا تتجاوز 6 % من الناتج المحلي الإجمالي، في مقابل أكثر من 90 % من الإيرادات تذهب لقطاع النفط، ما يعكس هشاشة القاعدة الإنتاجية ويطرح تساؤلات جدّية عن مدى واقعية الطموحات الحكومية في تنويع الاقتصاد. ولمعالجة هذا الخلل، قررت الحكومة تنفيذ أول تعداد زراعي شامل في نهاية عام 2026، باستخدام تقنيات الاستشعار عن بُعد والطائرات المسيّرة، لرسم خريطة دقيقة للإنتاج الزراعي والثروة الحيوانية وأنماط الحيازة، يعتبره كثير من الخبراء محطة مفصلية في تخطيط السياسات الزراعية، بشرط أن يُنفذ بشفافية وكفاءة. الناطق باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، أوضح أن التعداد سيشمل كل الجوانب الزراعية، من المحاصيل وحالة الأشجار إلى تصنيف الثروة الحيوانية وتحديد أعدادها، وهو ما سيتيح بناء قاعدة بيانات متكاملة تدعم الاقتصاد الزراعي لعقود مقبلة.