يُعد القاص ميثم الخزرجي من الأصوات السردية الشابة اللافتة في المشهدين القصصيين العراقي والعربي، إذ استطاع، خلال فترة زمنية قصيرة، أن يرسخ اسمه ككاتب يمتلك نفسًا خاصًا ورؤية مغايرة في بناء القصة القصيرة.
حازت مجموعته الأولى (بريد الآلهة) جائزة الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق عام 2019، بينما يواصل عبر أحدث أعماله (متنزه الغائبين) طرح المواضيع الإنسانية بلغة مكثفة وحساسية عالية. إلى جانب اشتغاله القصصي، يقدم الخزرجي مقالات معرفية وثقافية تسهم في إثراء النقاش الأدبي المعاصر. في هذا الحوار، تفتح "الشبكة العراقية"نافذة على تجربته، متوقفة عند محطاته الإبداعية وأسئلته الجمالية. *كيف تجد التحول الذي يحصل من الشعر إلى السرد لدى الكتّاب؟ - بطبيعة الحال، أي أديب، صاحب مشغل جمالي مؤثث بعدّة فنية تؤهله للكتابة بشكل أدبي معين، له الحق في التصريح والنشر، بيد أن التسليع الذي طال القصة والرواية عن طريق الترويج من قبل دور النشر والجوائز الأدبية كبير جدًا، وهذا ليس خطأ بالطبع، لكني أجد أن ثمة إسهابًا غريبًا في كتابة المتن الروائي على وجه الخصوص، خارجّا عن حدود المعيار الفني، ما خلق آراء مجانية مغلوطة وملتبسة من حيث المفهوم والرؤية من قبل الجمهور، لا تمت للأدب بصلة في ماهية التعاطي مع المتن الجمالي، ولعلي ألاحظ أن ثمة سؤالًا برز خلال العقود الأخيرة، بعد الثورة المعلوماتية الكبيرة، وافتضاح انساق الكائن البشري عن طريق وسائل الإعلام والمدونات الشخصية، عبر برامج التواصل الاجتماعي، هل أن المدونة الشعرية غير قادرة على توظيف القضايا الكبرى داخل النص ليتجه الشاعر إلى كتابة القصة والرواية، أم أن هناك تحولًا براغماتيًا، وليس قرارًا جدليًا قارًا بإمكانه أن يتعاطى مع مجريات الواقع والانقلابات الفكرية والثقافية بصورة جادة تسهم في صناعة متن له أثره الفاعل؟ برأيي أن هذا السؤال الإشكالي يجب أن تتوقف عنده الذهنية النقدية العربية.
على الرغم من ذلك فقد تصدرت مجموعة من الأسماء الشعرية وانتجت لنا سردًا مهمًا، ليصبح فيما بعد سمتهم الأدبية المشاعة. *كيف تجد الدراما في التلفزيون، وهل عملت على الاستفادة من السرد، قصة ورواية؟ - الدراما العراقية -على وجه التحديد- مستمرة في إنتاج أعمال تلفزيونية، مع التحفظ على بعض منها من الناحية الفنية، على الرغم من العثرات الكثيرة التي أصابتها نتيجة الحروب والسيولة المالية التي لحقت بها.
ومما لا شك فيه أنها، في الآونة الأخيرة، انفتحت على أفكار مهمة تعنى بتاريخ العراق من الناحيتين السياسية والثقافية، مستفيدة في توثيق مادتها من السرد العراقي، وهذا ما أجده فعلًا مهمًا ومثمرًا في كيفية الاهتمام بالنتاج الروائي والقصصي، والتعاطي مع حيثياته بوصفه وثيقة تاريخية، بل اجتماعية أيضًا، تستوعب أغلب الأحداث التي تعرّض لها العراق وشعبه.
لكني أتأمل في قادم الأيام أن يكون هناك استقراء واسع أكثر جدية للمتن الروائي والقصصي العراقي وتجسيده دراميًا، وإعطاء مساحة جيدة للأجيال السردية في إظهار مشروعاتهم على الشاشة الصغيرة. *هناك من يقول إن العمل في أكثر من مجال إبداعي يشتت المبدع، ما رأيك؟ - أنا مع أي فعل جمالي، أو معرفي، بعوامله الفنية وطرحه الإنساني الذي يعزز مكانة الكائن البشري. لكن الذي يتبنى مشروعًا أدبيًا بمعاييره المشروطة وسمته المنتقاة يجب أن يخلص له ويسعى أن يؤسس لمتن أدبي كوني عبر روافد عديدة، مثل نظريات المعرفة أو الأسطورة وتوابعها، بل حتى النزعات الروحية مثل التصوف والعرفان، بالتالي سوف يشكل له عالمًا لوحده، عالمًا يعرف من خلاله، بقي لنا أن نفهرس جدية المجال الإبداعي وحقيقته في ظل هذه المجانية الصاخبة التي سعت منصات التواصل الاجتماعي إلى إعلاء كلمتها، ودخول الكثير من الذين يعانون من فقر في أدواتهم المفاهيمية وعوز في ثقافتهم للتصريح والإشادة.
ولو أخذنا الجانب الإيجابي للمبدع الحقيقي الذي سعى إلى إحياء مشروعه من مشارب عديدة، لوجدنا أنها تعضّد من تكريس هويته الإبداعية التي تنير مكانته بين أقرانه وتضيء وجوده لتصيّره لأن يكون صاحب متن مختلف بالرؤى التي يتخذها، داخل النص وخارجه أيضًا. *كيف تجد المشهد الثقافي في النجف الأشرف؟ - لا غرابة في القول إن النجف مدينة ديالكتيكية مهمة، وحاضنة فكرية ثائرة لها تاريخها الأدبي العريق وإرثها الجمالي الكبير، وقد عزز هذه المكانة العالية، الطقس العرفاني المتمثل بضريح الأمام علي (ع)، رائد البلاغة وترجمان الإنسانية، فضلًا عن نتاج أبنائها الذين لهم مشروعاتهم الأدبية وتجاربهم الرائدة على اختلاف سياقاتها، ولعلي أشير إلى سطوع هذا الحراك الأدبي من شعر ونثر وفكر، الذي أُذكيت جذوته على جميع أنحاء المعمورة، فلم يتعرض إلى وهن أو تراجع على مرّ المراحل السياسية والآيديولوجية التي تعرضت لها المدينة، لذا تجد أن سلالة الشعر ما زالت متوقدة، فضلًا عن أن الوجه الجمالي الآخر هو السرد، وهذه التعريفات الأدبية شكلت مشهدًا ثقافيًا متزنًا له علامته البارزة. *كيف تنظر إلى موضوعة الأجيال في الأدب؟ - أنا أستقرئ الخطاب الجمالي أولًا، ومن ثم أعيّن ملامح الجيل الذي يولد فيه نتاج الأديب، مصطلح الجيل، بمعناه المفاهيمي، جاء تأصيلًا لإضاءة السمات الثقافية والمعجم اللغوي، فضلًا عن النزوع المعرفي والأسئلة الجادة التي يتخذها الأديب في مدونته، وهذا أمر منهجي من حيث البناء وطريقة الطرح، فضلًا عن المعنى الذي يعضّد وهج النص، وقد أتى هذا التفصيل، أو الفرز، بوصفه فهرسة خالصة بحسب الحقبة الزمنية التي عاشها الأديب للتعرف على الرؤى التي يتبناها والموضوعات التي يختارها. *هل استوعب السرد الأحداث التي مرت على البلاد في العقود الاخيرة؟ - المعنى الجوهري لماهية (الاستيعاب) مقلقة بالنسبة لي، وهذا يرجع إلى السلطة النسقية التي شكلت المنظومة الثقافية التابعة لي، وعلاقتها بمشروعي الجمالي من حيث التأسيس والنشأة والتربية المعرفية. على الرغم من ذلك، أجد أن بعضًا من القضايا الكبرى التي مرّ بها الكائن البشري عمومًا، والفرد العراقي على وجه الخصوص، قد دوّنت، وأصبحت لها مراجعات فكرية ومصارحات تكشف عن أحقية وقوع الأحداث التي تعرّض لها الإنسان من دون التواء أو تمويه، تحديدًا في الحقبة الأخيرة بعد عام 2003، إلا أني أجد أن ثمة جملة من الأسئلة الكونية واللاهوتية التي كبّلت الكائن البشري، وأصبحت جزءًا مهمًا من نظامه الفكري والقيمي، بحاجة إلى تفكيكها داخل المدونة السردية، وهذه تحتاج إلى شجاعة معرفية، فضلًا عن التحرر قدر المستطاع من الأغلال الحتمية والمتوارثة التي قيّدت تحركه داخل النص، أنا أؤمن إيمانًا مطلقًا بأن المشروع الأدبي يحتاج إلى حرية محصنة بفكر طليعي خالص. *كلمة لابد منها؟ - ما الداعي لأن أصفع وجه الغرفة بالباب إن كان العالم لا يتقي خفاياه؟