بغداد : مصطفى ناجي /
ناقش مركز بحوث السوق وحماية المستهلك في جامعة بغداد، ستراتيجيات التسويق الحديثة، في ورشة عمل بمشاركة عدد من الباحثين والأكاديميين والمختصين في مجال الاقتصاد والتسويق. خرجت الورشة، التي حضرتها (الشبكة العراقية)، بجملة من التوصيات تمثلت بـاعتماد ستراتيجيات تسويق حديثة مبنية على التحليل الرقمي، وربطها بسلوك المستهلك المحلي، فضلًا عن تعزيز التسويق الرقمي باستخدام أدوات التواصل الاجتماعي، ومحركات البحث، والحملات المستهدفة جغرافيًا، إلى جانب دعم المنتج المحلي بحملات ترويجية تُبرز ميزاته التنافسية، وتشجيع المستهلك على تفضيله. كما تضمنت التوصيات إنشاء شراكات بين القطاعين العام والخاص لتطوير البنية التسويقية وتبادل الخبرات والخدمات، وإدراج مفاهيم التسويق ضمن المناهج التعليمية لبناء قاعدة معرفية لدى الطلبة وتهيئتهم لسوق العمل، فضلًا عن العمل على بناء هوية تجارية وطنية تُعبّر عن ثقافة المجتمع العراقي وتُرسّخ الثقة بالمنتج المحلي، وتشجيع ودعم البحوث التطبيقية المرتبطة بتحليل السوق وتقديم حلول تسويقية قابلة للتطبيق الفعلي. وجاءت توصيات الورشة بما من شأنه تعزيز تنافسية السوق، والإسهام في ربط المنتج المحلي بذوق المستهلك وثقافته. تحديات السوق سُلط في الورشة الضوء على التسويق كأداة ستراتيجية لتمكين المنتج المحلي من منافسة المستورد، والتأكيد على ضرورة فهم الجمهور المحلي، واستخدام البيانات في اتخاذ قرارات تسويقية دقيقة، فضلًا عن مناقشة التحديات التي تواجه السوق المحلية، وأبرزها ضعف الترويج، وقلة الوعي التسويقي، وضبابية القوانين التنظيمية، كما جرى عرض تجارب لمشاريع محلية ناجحة اعتمدت على التسويق الحديث وحققت تأثيرًا في سلوك المستهلك. وقال مدير مركز بحوث السوق وحماية المستهلك، الدكتور محمود عبد الله جاسم، في كلمة افتتاح الورشة: "في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة، أصبح التسويق الحديث إحدى الركائز الأساسية التي تعتمد عليها المؤسسات للبقاء والمنافسة في الأسواق المحلية، إذ لم يعد التسويق مجرد عملية ترويج للمنتجات، بل تحوّل إلى منظومة متكاملة تستند إلى ستراتيجيات علمية وتحليلات دقيقة لفهم سلوك المستهلك واحتياجات السوق." وأشار المشاركون في الورشة إلى خمس نقاط رئيسة، تمثلت بـفهم عميق للسوق والمستهلك المحلي، إذ يلعب التسويق الحديث دورًا محوريًا في تحليل السوق المحلية، من خلال دراسات الجدوى، وأبحاث السوق، واستطلاع توجهات المستهلكين. أولويات شرائية الباحث الاقتصادي علي حسين الخفاجي، أكد أن "هذه الأساليب تسمح للمؤسسات بفهم الأولويات الشرائية، والعوامل الثقافية، والسلوكيات الاستهلاكية التي تؤثر في قرارات الشراء، هذا الفهم يتيح تصميم منتجات وخدمات أكثر ملاءمة لاحتياجات المستهلك المحلي، ما يعزز القدرة التنافسية. "مبيّنًا ضرورة "الابتكار في تقديم القيمة، إذ إن التركيز على تقديم قيمة مضافة للعميل يعد أهم أسس التسويق الحديث."، مشيرًا إلى أن المنافسة لم تعد تعتمد على السعر فقط، بل أصبحت تتمحور حول جودة التجربة والابتكار في الخدمة، والقدرة على إرضاء توقعات العملاء وحتى تجاوزها في بعض الأحيان." موضحًا في الوقت نفسه أن "الشركات التي تتبنى هذه الفلسفة تكتسب ولاء العملاء وتتفوق على منافسيها في السوق المحلية." الوصول إلى الجمهور كما تناول المشاركون موضوع التسويق الرقمي كأداة ستراتيجية، ويرى الدكتور ماجد البيضاني أن "التقنيات الرقمية أسهمت في إعادة تشكيل مفهوم التسويق، حيث أصبح الوصول إلى الجمهور أكثر دقة وفاعلية، إذ باتت الشركات تعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي، وتحسين محركات البحث، والبريد الإلكتروني، والإعلانات الرقمية، لبناء علاقات طويلة الأمد مع الجمهور المستهدَف." موضحًا أن "هذا النوع من التسويق لا يسهم فقط في زيادة المبيعات، بل في بناء صورة ذهنية قوية للعلامة التجارية." ولفت المشاركون إلى أن "من مزايا التسويق الحديث اتسامه بالمرونة والقدرة على التكيف مع المتغيرات، عبر أدوات التحليل اللحظي وقياس الأداء التسويقي، إذ تستطيع الشركات تعديل ستراتيجياتها بسرعة، والاستجابة لمتطلبات السوق، وتجاوز تحديات المنافسة بأسلوب ديناميكي وفاعل." في حين قالت الدكتورة حنان مازن أنه "في عالم سريع التغيّر، لا مكان للقرارات العشوائية، فالتسويق الحديث يعتمد بشكل متزايد على البيانات والإحصاءات الدقيقة لرسم خطواته، من خلال تتبع تفاعلات العملاء وتحليل توجهاتهم وسلوكهم عبر القنوات المختلفة، إذ يمكن للمؤسسة أن تطوّر ستراتيجيات أكثر دقة وفاعلية، فالتسويق القائم على البيانات يعزز من دقة الاستهداف، ويقلل من الهدر في الميزانية، ويساعد في تحسين العائد على الاستثمار، ما يمنح الشركات ميزة تنافسية واضحة." وشخص المشاركون مجموعة من مظاهر ضعف خطط التسويق في العراق، تمثلت بغياب الرؤية التسويقية المتكاملة لكثير من الشركات والمؤسسات، إذ لا تعتمد على خطط تسويقية ستراتيجية طويلة الأمد، بل تكتفي بأساليب تقليدية ترويجية محدودة الأثر، فضلًا عن ضعف استخدام البيانات والتحليلات، فلا تزال أدوات تحليل السوق وسلوك المستهلك غير مفعّلة بالشكل الكافي، ما يحدّ من القدرة على اتخاذ قرارات تسويقية دقيقة. نقاط الضعف وجرى تشخيص قلة التفاعل مع التسويق الرقمي برغم الانتشار الواسع للإنترنت ووسائل التواصل، فبسببه لا يزال العديد من الشركات يعتمد على أساليب تقليدية، ولا يستثمر بشكل فاعل في التسويق الإلكتروني، الى جانب ضعف التنسيق بين السياسات الصناعية والتجارية (كما أشارت وزارة الصناعة)، إذ إن غياب الترابط بين السياسات المختلفة يؤدي إلى إرباك في دعم المنتج المحلي وعدم وضوح في حماية السوق. ولعل أهم ما تم تشخيصه هو عدم تفعيل قوانين حماية المستهلك والمنافسة، ما يفتح المجال أمام المنتجات المستوردة، دون رقابة كافية، من منافسة منتجات محلية برغم قدرتها على المنافسة، ولكن للسعر المنخفض سطوته. وتطرق المشاركون إلى وجود محاولات حكومية لتفعيل النشاط التسويقي، مثل إدخال خطوط إنتاج حديثة، وتفعيل التسويق عبر الإنترنت، وتحسين جودة التغليف والتصميم، كما أن بعض الدراسات الأكاديمية أشار إلى أن الشركات الصغيرة والمتوسطة تعاني ضعفًا في تطبيق ستراتيجيات تسويقية فاعلة، خاصة في ظل الأزمات المالية وطغيان الفكر التقليدي.