أحمد جعفر /
بينما أعلنت مؤسسات دولية، على رأسها صندوق النقد الدولي، تسجيل العراق رابع أعلى معدل نمو اقتصادي بين الدول العربية المنتجة للنفط لعام 2025 بنسبة بلغت 4.1 %، تتباين التقديرات حول طبيعة هذا النمو ومصادره، وما إذا كان يعكس تحولًا بنيويًا في الاقتصاد العراقي أم أنه مجرد طفرة مدفوعة بارتفاع أسعار النفط. في هذا السياق، قدم الدكتور مظهر محمد صالح، المستشار المالي لرئيس الوزراء، تقييمًا إيجابيًا لمسار السياسة الاقتصادية خلال العامين الماضيين، مؤكداً أن "المالية العامة نجحت في تحفيز النمو باستخدام أدوات الدَيْن العام الداخلي، خصوصاً في تمويل مشاريع البنية التحتية المتوقفة، ما أعاد الحياة إلى قطاعات معطّلة وخلق فرص تشغيل واسعة." البنية التحتية يرى صالح، في تصريح لـ"الشبكة العراقية"، أن "كل نمو بنسبة 1 % في البنية التحتية يقابله نمو قد يصل إلى 2 % في الأنشطة الاقتصادية الأخرى، وهو ما دفع الحكومة إلى تشغيل قطاع الإعمار والإسكان بكامل طاقته، نظرًا لما يوفره من فرص عمل لنحو 20 % من قوة العمل الوطنية، بالإضافة إلى تحريكه أكثر من 200 نشاط اقتصادي وخدمي." صالح أشار إلى أن "هذه السياسة ترافقت مع توسّع في مشاريع النقل والخدمات الرقمية، وازدياد الإقبال على إنشاء مشاريع صناعية جديدة. وقد دعمت الحكومة هذا التوجه من خلال الإعفاءات والتسهيلات المقدمة للقطاعين الزراعي والاستهلاكي، إلى جانب برامج الرعاية الاجتماعية، التي وصلت مجتمعة إلى نحو 15 % من الناتج المحلي الإجمالي، وهو من أعلى المعدلات عالميًا في هذا المجال." نتيجةً لذلك، سجل الناتج المحلي الإجمالي، غير النفطي، نموًا تجاوز 4 %، ما يشير – بحسب صالح – إلى تحسن نسبي في تنويع الاقتصاد، رغم استمرار الاعتماد الأساسي على النفط. نتائج ملموسة تُظهر المؤشرات الكلية بعض التحسن، إذ انخفض معدل البطالة إلى 13 % بعد أن كان عند 17 %، فيما تراجع معدل التضخم السنوي إلى 3 %، وهو ما يعد مؤشرًا على تحسن البيئة الاقتصادية الكلية، واستقرارًا نسبيًا في السوق. بالرغم من هذه المؤشرات الإيجابية، يُحذّر خبراء اقتصاد من الانخداع بالأرقام الكلية دون تحليل البنية الاقتصادية التي تستند إليها. في هذا السياق، قال الدكتور أحمد هذال، أستاذ الاقتصاد المالي، إن "النمو الذي تحقق في عام 2025، وفق تصنيف صندوق النقد، هو نمو ريعي ناتج عن ارتفاع أسعار النفط، وليس ناتجًا عن إصلاحات هيكلية." وأوضح هذال، في تصريح لـ"الشبكة العراقية"، أن "واردات النفط لا تزال تشكل أكثر من 65 % من الناتج المحلي، و90 % من الإيرادات العامة، ما يجعل أي نمو اقتصادي رهينًا بتقلبات السوق العالمية. وأشار إلى أن هذا النوع من النمو لا يُترجم بالضرورة إلى تحسن ملموس في حياة المواطن العراقي. مشيرًا إلى استمرار ارتفاع معدلات البطالة، واتساع الفجوة بين الطبقات، وزيادة الدين الداخلي بوتيرة مقلقة." ويؤكد أستاذ الاقتصاد المالي أن "معالجة هذه الاختلالات تتطلب إعادة هيكلة شاملة للاقتصاد الوطني، من خلال تنويع مصادر الدخل، وتحفيز القطاعات الإنتاجية، كالصناعة والزراعة والخدمات، بالإضافة إلى إصلاح النظام الضريبي وربطه بالإنتاجية الفعلية." تحديات الاستدامة يتفق الخبيران على أن "الاستثمار في البنية التحتية يمثل خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنه لن يكون كافيًا بمفرده إذا لم يجرِ استثماره في بناء اقتصاد متنوع ومستدام. ومع أن الحكومة قد نجحت في إدارة السياسة المالية بمرونة خلال الفترة الماضية، إلا أن الرهان على الاستدامة يستلزم سياسات أعمق على مستوى التنويع والإصلاح الهيكلي." ويختتم الدكتور هذال بالتشديد على أن "الاقتصاد العراقي لن يغادر خانة الهشاشة ما دام يعتمد على ريع النفط. وحدها التنمية المتوازنة، هي التي تضع الإنسان المنتج في صلب العملية الاقتصادية، كما أنها كفيلة ببناء اقتصاد قادر على الصمود أمام التقلبات." وبحسب تقرير صندوق النقد الدولي، الذي صدر مؤخرًا، فـإن ليبيا تصدرت القائمة بنمو اقتصادي بلغ 13.7 %، تلتها الإمارات بنسبة 5.1 %، ثم السعودية بـ 4.6 %، وجاء العراق رابعًا بنسبة 4.1 %، متقدمًا على الجزائر والكويت والبحرين وعُمان وقطر، التي تراوحت معدلات نموها بين 1.9 % و 4 %.
