بغداد: مصطفى الهاشمي /
يعد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي مؤشرًا اقتصاديًا مهماً يعكس مستوى الرفاهية الاقتصادية للمواطنين في بلد معين، وهذا المؤشر يقيس مدى توزيع الثروة داخل المجتمع، لكنه لا يعكس بالضرورة عدالة التوزيع أو مستوى المعيشة الحقيقي، إذ إن وجود فجوات اقتصادية كبيرة بين الطبقات الاجتماعية يجعل متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي مجرد رقم لا يعبّر بشكل دقيق عن الظروف الاقتصادية لكل مواطن. بحسب المتحدث الرسمي لوزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، بلغ مجموع الدخل القومي بالأسعار الجارية لعام 2022 ما قيمته 326 ترليونًا و500 مليار دينار، فيما بلغ متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي في العام نفسه 7 ملايين و700 ألف دينار. يضيف الهنداوي في تصريح لـ "الشبكة العراقية"، أن "الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الأساسية الجارية (بالدولار) بلغ نحو 416 مليارًا و690 مليون دولار، نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وفقا لهذه المعطيات وبالأسعار الجارية، يكون قد تجاوز الـ 7 ملايين دينار. إحصاءات وبيانات تشير توقعات وإحصاءات موقع country cassette ، الخاص بجمع البيانات والإحصائيات الدولية، إلى أن دخل الفرد في العراق بلغ لعام 2025 نحو 5 آلاف و668 دولارًا، ما يجعله في المرتبة التاسعة عربيًا، وفقًا لآخر الإحصائيات، إلا أن الهنداوي أكد أن "بقية البيانات للأعوام اللاحقة غير مكتملة." وبرغم التحسن النسبي في هذا المؤشر، لا يزال التحدي الأكبر يتمثل في توفير فرص عمل وتحسين الدخل الحقيقي للأفراد، كونه يتأثر بمجموعة عوامل على نصيب الفرد العراقي من الناتج المحلي الإجمالي، لعل أبرزها قطاع النفط، الذي يعد المصدر الرئيس للإيرادات الحكومية، حيث يتجاوز الـ 90 % من إجمالي الإيرادات، وأن أية تقلبات في أسعاره تؤثر بشكل مباشر على الناتج المحلي الإجمالي ونصيب الفرد منه. تنويع مصادر الدخل تقول الباحثة الاقتصادية د. حنان مازن إبراهيم: "يمثل الاستقرار في الحياة العامة، دورًا جوهريًا في تعزيز أو عرقلة النمو الاقتصادي الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالناتج المحلي الإجمالي، إذ إن عدم الاستقرار يؤدي إلى تراجع الاستثمارات وضعف الإنتاجية، فضلًا عن عامل التنويع الاقتصادي، إذ لا يزال الاقتصاد الوطني يعتمد بشكل شبه كامل على النفط، بينما تظل قطاعات الزراعة، والصناعة، والسياحة غير مستغلة بالشكل المطلوب، ما يقلل من فرص تحقيق نمو اقتصادي متوازن ومستدام." تضيف إبراهيم في حديثها لـ "الشبكة العراقية": "كما لا يمكن إغفال معدلات البطالة، التي يؤثر ارتفاعها سلبًا على نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، حيث أن انخفاض فرص العمل يعني تقلص الإنتاجية وتقليل الدخل المتاح لدى الأفراد." وتابعت إبراهيم: "لتحقيق تحسن مستدام في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، يجب تبني سياسات اقتصادية تهدف إلى تنويع مصادر الدخل عبر تطوير قطاعات غير نفطية، مثل الصناعة، والزراعة، والتكنولوجيا، والسياحة، إلى جانب تعزيز الاستثمار الأجنبي والمحلي من خلال تأسيس بيئة قانونية مستقرة وجاذبة للاستثمارات، علاوة على إصلاح نظام التعليم والتدريب المهني لتأهيل القوى العاملة بما يتناسب مع متطلبات سوق العمل، فضلًا عن تحقيق الاستقرار العام الذي يعد عاملًا جوهريًا في جذب الاستثمارات وتنشيط الاقتصاد المحلي." نمو مستدام فيما يرى الباحث الاقتصادي فراس عامر أن "زيادة نصيب الفرد العراقي من الناتج المحلي الإجمالي يتطلب اتباع مجموعة من السياسات الاقتصادية التي تعزز النمو المستدام وتوفر فرصًا متكافئة للمواطنين." ويشير عامر في حديثه لـ "الشبكة العراقية" إلى أن تلك السياسات تشمل تنويع مصادر الدخل الاقتصادي لتحقيق نمو مستدام، من خلال تطوير القطاع الزراعي عبر دعم الفلاحين وتحسين وسائل الري والبنية التحتية، وتعزيز الصناعات التحويلية لتقليل الاعتماد على المنتجات المستوردة وزيادة الصادرات، مع التركيز على الاستثمار في قطاع التكنولوجيا وريادة الأعمال لدفع عجلة الابتكار وخلق فرص عمل جديدة، إلى جانب تشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي، لأنه يساعد في توفير وظائف جديدة وزيادة الإنتاجية." وأكد عامر أن "وضع العراق بهذه المرتبة (التاسعة عربيًا) بعيد جدًا عما يملكه من ثروات نفطية، ومعدنية، وزراعية، وصناعية، وبشرية، مبينًا أنه "من أجل زيادة حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، يجب العمل على تنويع مصادر الإيرادات العامة واستغلال جميع الثروات، وعدم الاعتماد على القطاع النفطي بشكل مستمر ودائم، خاصة إذا ما علمنا أن النفط عبارة عن سلعة قابلة للنضوب، ويتأثر بالعوامل السياسية والصراعات الإقليمية، وحتى الدولية، كما لا تخفى أهمية العمل على تحسين البنية التحتية والبيئة التعليمية، وزيادة الاستثمارات في جميع القطاعات الاقتصادية."