عباس عبد الرحمن /
تشهد الأسواق المحلية هذا العام رواجًا ملحوظًا للمنتجات الزراعية العراقية، التي يفضلها المستهلك المحلي، ولاسيما العائلات العراقية. ويأتي ذلك نتيجة لتوجه الحكومة نحو دعم المنتج الوطني عبر تقنين أو منع استيراد بعض السلع في حال وفرة الإنتاج المحلي. وقد بات اعتماد بعض الأسواق، خصوصًا في المحافظات الجنوبية ومنطقة الفرات الأوسط، على المنتجات المحلية أكثر وضوحًا في مواسم معينة. وفي هذا التقرير نرصد أبرز أسباب هذا الانتعاش الزراعي. انفتاح عشوائي يعزو خبراء الاقتصاد الزراعي تراجع الإنتاج المحلي في السنوات السابقة إلى سياسة الانفتاح العشوائي، التي أدت إلى إغراق الأسواق بمنتجات مستوردة من دول الجوار، بأسعار منافسة تجاوزت قدرة المنتج المحلي على الصمود. ونتيجة لذلك، أحجم كثير من الفلاحين عن الزراعة لغياب الجدوى الاقتصادية، بالإضافة إلى الهجرة من الريف إلى المدينة بحثًا عن فرص العمل، ما أسهم في تفاقم البطالة. يقول المهندس الزراعي وعضو منتدى بغداد الاقتصادي، هادي هنداس: "بدأت الزراعة بالتراجع بعد رفع الدعم الحكومي عن توفير المستلزمات الأساسية، مثل البذور والأسمدة، ما أضعف قدرة الفلاح على دخول المنافسة، وتراكمت هذه العوامل حتى شكلت أزمة حقيقية في القطاع." تشجيع الاستثمار أما بشأن الانتعاش الحالي في الأسواق، فيوضح الدكتور صالح الحسني، وزير الزراعة الأسبق، أن "تصحيح السياسة الزراعية، والدعم الحكومي المباشر، شجّعا الفلاحين على دخول المنافسة وتحقيق نسب عالية من الإنتاج المحلي، سواء في المجال النباتي أو الحيواني." وأضاف الحسني أن "تشجيع الاستثمار الزراعي لعب أيضًا دورًا محوريًا في تحقيق هذه النتائج الإيجابية. فبالرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه الزراعة في العراق، فإن البلاد تمتلك إمكانات هائلة من الأراضي الخصبة، والمياه، والتنوع في المحاصيل، ما يمنحها موقعًا ستراتيجيًا لتطوير هذا القطاع." رضا شعبي يفضل كثير من العراقيين الخضراوات والفواكه المحلية على المستوردة، من حيث النكهة والطزاجة، مثل الطماطم، والخيار، والبصل، والتمر. وفي استطلاع أجرته المجلة داخل الأسواق، أعرب عدد من المواطنين عن رضاهم تجاه جودة المعروض وأسعاره، برغم وجود تفاوت نسبي بين البائعين، إلا أن الأسعار تبقى مقبولة في المتوسط. ويُلاحظ أن هذا التحسن انعكس بشكل إيجابي على الشرائح ذات الدخل المحدود، خصوصًا في مواسم الإنتاج (مثل الصيف والربيع)، حين تتوفر المحاصيل بكثرة وبأسعار مناسبة، ما يعزز التوجه الشعبي العام نحو دعم المنتج المحلي، ورفض الإغراق السلعي المستورد. ويُشار إلى أن الشرائح المحدودة الدخل تُعد المؤشر الحقيقي على مستوى الرضا عن الأسعار والسياسات الزراعية. دعم حكومي تقدم الحكومة العراقية دعمًا واضحًا وفعّالًا للقطاع الزراعي من خلال السياسات التالية: -1 دعم مباشر للفلاحين والمزارعين * دعم القمح: تستمر الحكومة في شراء القمح بأسعار مدعومة تتجاوز السعر العالمي، ما يشجع المزارعين على التوسع في زراعة هذا المحصول، برغم التكاليف المرتفعة التي تتحملها الدولة (بلغت الخسائر نحو 458 مليون دولار بسبب الفائض الإنتاجي). * توسيع الرقعة الزراعية: أُطلقت خطة لزيادة المساحات المزروعة بمقدار 2.5 مليون دونم خلال عام 2025، ضمن مسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي. * دعم تربية المواشي: خُصصت مليارات الدنانير لتوفير الأعلاف والمبيدات، خصوصًا لمربي الجاموس في الجنوب، بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة (FAO). -2 مشاريع المياه والزراعة الذكية * برنامج SRVALI: بتمويل قدره 39 مليون دولار من الصندوق الأخضر للمناخ، بالشراكة مع FAO، ويستهدف تعزيز قدرة الزراعة على مواجهة التغير المناخي في المحافظات الجنوبية. * مبادرة WFP–إيطاليا–الحكومة: تهدف إلى تطوير أساليب الري الحديثة، ودعم النساء الريفيات، وتنفيذ مشاريع زراعية في محافظات منها نينوى والبصرة. * ورش التدريب والتخطيط: برامج موسعة لتدريب المزارعين والمسؤولين على تقنيات الزراعة المستدامة. -3 تشجيع الاستثمار والشباب * تمويل المشاريع الشبابية: توفير قروض ومعدات حديثة وتأهيل فني للشباب في مجالات الزراعة وتربية الحيوان. * صندوق العراق للتنمية (2023): يستهدف تطوير القطاعات غير النفطية، وخاصة الزراعة، ويجذب استثمارات دولية بمليارات الدولارات. 4 - تنظيم الاستيراد لحماية المنتج المحلي * اتخذت الحكومة إجراءات لتقنين أو حظر استيراد سلع زراعية في حال توفر الإنتاج المحلي، مثل البيض والبصل والأعلاف، ما أسهم في تعزيز السوق المحلية. نظرة متفائلة أشار جاسم العرادي، عضو منتدى بغداد الاقتصادي، إلى أهمية السياسة المتبعة في ملف المياه مع تركيا، التي أسهمت في توفير منسوب مائي مقبول لتلبية احتياجات المزارعين. وأكد أن الدعم الحكومي الواسع للقطاع الزراعي، بشقيه الزراعي والإروائي، يفسر نجاح السياسة الزراعية في خلق توازن بين الإنتاج المحلي والمستورد. وأضاف: "نتوقع مستقبلًا واعدًا للزراعة في حال استمرار هذا النهج، إذ تحقق السياسات الزراعية الحالية توازنًا بين مصلحة الفلاح، والمستهلك، والتاجر الوسيط. كما أن الدعم الحكومي شجّع على زيادة إنتاج المحاصيل الستراتيجية، مثل الحنطة والشعير والذرة، إلى جانب اعتماد تقنيات الري الحديث والمكننة الزراعية، التي أسهمت الحكومة في توفيرها وتدريب الفلاحين على استخدامها." تدعم الحكومة العراقية القطاع الزراعي بفعالية من خلال دعم مباشر، وسياسات استيراد محكمة، وشراكات دولية لتطوير الزراعة المستدامة. ويكمن التحدي الأكبر في الحفاظ على هذه السياسات ضمن إطار مالي متوازن، خاصة في ظل تقلبات السوق والاقتصاد.
