مع اضطرابات الشرق الأوسط والأسواق العالمية.. العراق يستخدم "خطة الدفاع السعرية" لكبح التضخم

بانوراما

مع اضطرابات الشرق الأوسط والأسواق العالمية.. العراق يستخدم "خطة الدفاع السعرية" لكبح التضخم
100%

علي كريم إذهيب /

في السنوات الأخيرة، شهد العراق ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار السلع والخدمات، متأثرًا بمجموعة معقدة من العوامل الداخلية والخارجية، أبرزها التوترات الجيوسياسية المستمرة في منطقة الشرق الأوسط. إن التغيرات في أسواق الطاقة العالمية والعقوبات الاقتصادية المفروضة على بعض دول الجوار، أدت إلى تعطيل سلاسل الإمداد وارتفاع تكاليف الاستيراد. نذهب بالحديث عن هذا الموضوع مع المستشار الاقتصادي للحكومة العراقية الدكتور مظهر محمد صالح، الذي قال إن "من اللافت أن النمو السعري العام في الأسعار (أي قيمة السلع والخدمات معبرًا عنها بالنقود)، كمؤشر للتضخم، هو مازال أقل من ٤٪؜ سنويًا في العراق، وهي نسبة تمثل استقرارًا عاليًا، وأن التبدل في النمو السعري العام السنوي الطفيف يأتي بسبب دخول سلع جديدة وخروج سلع قديمة." وأوضح صالح، في مقابلة مع مجلة "الشبكة العراقية"، أنه "عند البحث عن الأسباب الرئيسة للاستقرار السعري في العراق، نجد ثمة عاملين مهمين أسهما بهذا الاستقرار في المستوى العام للأسعار واعتدال النمو في التضخم السنوي: الأول هو بدء وزارة التجارة العراقية بتطبيق سياسة الدفاع السعري، وهي الاستيراد لمجموعات استهلاكية واسعة النطاق، بدأت تباع عن طريق نظام (الهايبارد ماركت) تعاونيًا، إذ جرى تجهيز، أو استيراد، مجموعات سلعية تهم حياة المواطنين بأسعار صرف السوق الرسمي البالغ 1320 دينارًا لكل 1 دولار، ما ولد نظامًا تنافسيًا كبيرًا، واستقرارًا سعريًا داخل نظام السوق العراقي، أو اصبح حالة من الاستقرار امتدت حتى على السوق الموازية للصرف نفسها، التي أخذ فيها سعر الدولار بالهبوط التدريجي، ما يعني نجاح (سياسة الدفاع السعري) لسلة السلع الاستهلاكية، التي أخذت تبرهن نجاحها في استقرار أسعار السوق المحلية، وولادة موجة تنافسية في استقرار مستوى المعيشة، وانعكاس ذلك ايجابيًا على رفاهية المستهلكين. أما العامل الثاني فهو تراجع الطلب على الدولار النقدي لأغراض السفر، بعدما أصبحت بطاقة الدفع الإلكترونية بالدولار وسيلة تسديد، وبسعر الصرف الرسمي، وهو تبدل جوهري في عادات وتقاليد المدفوعات الإلكترونية للمسافرين خارج البلاد، وإلى حد بعيد." إذ إن هذين الاتجاهين، بحسب صالح، ساهما بالحد من تاثيرات السوق الموازية في بناء هيكل الأسعار. ولفت إلى أن "تدخل الحكومة العراقية بتوفير سبل اعتدال الأسعار عن طريق اعتماد (خطة الدفاع السعرية)، التي ستذهب إلى الدواء واللوازم الاحتياطية ومواد البناء، سيمثل الدور الإيجابي للسياسة التجارية والحكومية في تبنى استقرار مستوى المعيشة للمواطنين، يؤازر ذلك انتظام السلة الغذائية المدعومة للطبقات الاجتماعية الفقيرة والمحدودة الدخل، دون أن نغفل أن الدعم السنوي للأسعار في الموازنة العامة، بكل أشكاله، لا يقل سنويًا عن ١٣٪؜ من الناتج المحلي الإجمالي. من جانبه، قال الباحث الاقتصادي، الدكتور علي دعدوش، إن استقرار الأسعار هو حجر الزاوية للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وحماية القوة الشرائية للمواطنين، ولاسيما ذوي الدخل المحدود، مع ضرورة تبني ستراتيجية متعددة الأوجه، تتبناها الدولة العراقية بشكل متكامل، وتعتمد على التنفيذ الفعال والمستمر والمشترك بين مؤسسات الدولة المعنية من خلال: أولاً: السياسة النقدية وإدارة سعر الصرف: 1 -استقرار سعر الصرف (الأداة الأهم): الخطة: الحفاظ على استقرار سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الأميركي عند المستويات الرسمية المستهدفة. يتم ذلك عبر إدارة (نافذة بيع العملة الأجنبية) بكفاءة لتلبية الطلب المشروع على الدولار لتمويل التجارة الخارجية (الاستيرادات). الآلية: ضخ الدولار في السوق بشكل منتظم لتغطية الاعتمادات المستندية والحوالات للتجارة، ما يقلل الحاجة للجوء إلى السوق الموازية ويحد من تأثير تقلباتها على أسعار السلع المستوردة. الجدوى: عالية التأثير ومباشرة على أسعار السلع المستوردة (التي تشكل جزءًا كبيرًا من سلة استهلاك المواطن). الجدوى تعتمد بشكل حاسم على توفر احتياطيات كافية من العملة الأجنبية (مرتبطة بإيرادات النفط) وعلى كفاءة إدارة النافذة والحد من المضاربات والأنشطة غير المشروعة. 2 -إدارة السيولة المحلية: الخطة: استخدام أدوات السياسة النقدية المتاحة (عمليات السوق المفتوحة، ونسبة الاحتياطي القانوني، وأسعار الفائدة على أدوات البنك المركزي) لامتصاص فائض السيولة بالدينار العراقي الناتج عن الإنفاق الحكومي، وذلك للحد من الضغوط التضخمية الناتجة عن زيادة الطلب. الجدوى: متوسطة إلى محدودة في السياق العراقي. إذ إن فعالية هذه الأدوات التقليدية أضعف بسبب الطبيعة الريعية للاقتصاد، وضعف القطاع المصرفي الخاص، ومحدودية عمق السوق المالية. بالتالي تبقى نافذة بيع العملة الأداة الأقوى لسحب سيولة الدينار. 3 -ضبط التوقعات التضخمية: الخطة: التواصل الشفاف والواضح حول سياسات البنك المركزي وأهدافه، والتأكيد على الالتزام باستقرار الأسعار لترسيخ توقعات مستقرة لدى الجمهور والقطاع الخاص. الجدوى: مهمة، ولكنها تعتمد على مصداقية البنك المركزي واستقلاليته المتصورة، وقدرته الفعلية على تحقيق أهدافه المعلنة (خاصة استقرار سعر الصرف). ثانياً: السياسة المالية والإصلاحات الهيكلية: 1 -ضبط الإنفاق العام وترشيده: الخطة: التحكم في نمو الإنفاق العام، خاصة الإنفاق التشغيلي (الرواتب، والنفقات الجارية غير الضرورية)، وتوجيه الإنفاق نحو المشاريع الاستثمارية التي تزيد الطاقة الإنتاجية للاقتصاد، ومراجعة وضبط حجم الموازنة العامة لتكون ضمن مستويات مستدامة لا تسبب ضغوطًا تضخمية كبيرة. الجدوى: عالية الأهمية. الإنفاق الحكومي هو محرك رئيس للطلب الكلي وللسيولة بالدينار. ضبطه يقلل الضغوط التضخمية مباشرةً. الجدوى تعتمد على الإرادة السياسية لتنفيذ إصلاحات قد لا تكون شعبية على المدى القصير، وعلى القدرة على تحسين كفاءة الإنفاق. 2 -تعزيز الإيرادات غير النفطية: الخطة: زيادة الإيرادات من الضرائب والجمارك والرسوم الأخرى عبر توسيع القاعدة الضريبية، وتحسين كفاءة التحصيل، ومكافحة التهرب الضريبي والجمركي. الجدوى: مهمة لتقليل الاعتماد على النفط ولتمويل الإنفاق بطرق غير تضخمية. الجدوى متوسطة على المدى القصير وتحتاج جهودًا كبيرة ومستمرة لتحسين الإدارة الضريبية والجمركية ومحاربة الفساد. 3 -إصلاح نظام الجمارك وتسهيل التجارة: الخطة: تبسيط الإجراءات الجمركية، وحوكمتها، ومكافحة الفساد في المنافذ الحدودية لتقليل التكاليف الإضافية غير المبررة على السلع المستوردة، والتي تنعكس على أسعار المستهلك. الجدوى: عالية التأثير على أسعار السلع المستوردة. التنفيذ يواجه تحديات كبيرة تتعلق بالفساد والمصالح المتجذرة. 4 -دعم الإنتاج المحلي (الزراعة والصناعة): الخطة: تقديم حوافز وتسهيلات (قروض ميسرة، وإعفاءات ضريبية، وحماية مدروسة ومؤقتة) للقطاعات الإنتاجية المحلية لزيادة عرض السلع والخدمات المنتجة محليًا وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وتوفير البنية التحتية اللازمة (كهرباء، مياه، نقل). الجدوى: أساسية لتحقيق استقرار أسعار مستدام على المدى الطويل. الجدوى تتطلب استثمارات كبيرة، وقتًا طويلًا، وستراتيجية صناعية وزراعية واضحة وفعالة، بالإضافة إلى تحسين بيئة الأعمال بشكل عام. 5 -إدارة الدين العام: الخطة: إدارة الدين العام (الداخلي والخارجي) بشكل مستدام وتجنب اللجوء إلى التمويل التضخمي (مثل الاقتراض المفرط من البنك المركزي) لتغطية العجز. الجدوى: حاسمة لمنع حلقة مفرغة من الديون والتضخم. الجدوى تعتمد على الانضباط المالي وتوفر مصادر تمويل غير تضخمية. ثالثاً: التنسيق بين السياستين النقدية والمالية الخطة: عقد اجتماعات دورية وتنسيق مستمر وعالي المستوى بين البنك المركزي ووزارة المالية لضمان تكامل السياسات وتجنب الإجراءات المتعارضة. مواءمة حجم الإنفاق المالي مع قدرة البنك المركزي على إدارة السيولة وسعر الصرف. الجدوى: ضرورية للغاية لنجاح أية خطة. بدون تنسيق، قد تبطل إجراءات جهة ما جهود الجهة الأخرى. رابعًا : الجدوى الإجمالية والتحديات: السيطرة الفعالة على ارتفاع الأسعار في العراق ممكنة ولكنها ليست سهلة وتواجه تحديات كبيرة: الاعتماد على النفط: تقلبات أسعار النفط العالمية تؤثر بشكل كبير على الإيرادات والاحتياطيات، وبالتالي على القدرة على دعم سعر الصرف وتمويل الموازنة. ضعف الإنتاج المحلي: الاعتماد الكبير على الاستيراد يجعل الاقتصاد عرضة للصدمات الخارجية. التحديات الهيكلية والمؤسسية: الفساد، والبيروقراطية، وضعف بيئة الأعمال، تعيق تنفيذ الإصلاحات وزيادة الإنتاج. التحديات السياسية والأمنية: عدم الاستقرار يؤثر على الثقة والاستثمار وتنفيذ الخطط الطويلة الأمد. الوقت: العديد من الإصلاحات (خاصة الهيكلية) تتطلب وقتًا طويلًا لتؤتي ثمارها.

إقــــرأ المــــزيــــــــد

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال
تحقيقات

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي
تحقيقات

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي

حياة بلا تواصل اجتماعي..  هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟
تحقيقات

حياة بلا تواصل اجتماعي.. هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟
تحقيقات

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي
تحقيقات

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"
تحقيقات

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"

أبرز الأخبار

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

قصة إعدام الفنان صباح السهل

قصة إعدام الفنان صباح السهل

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج