خالد الجابري*
ثمة سؤال لا يزال معلقًا في فضاء النقاش الاقتصادي العراقي: هل يمكن للقطاع الخاص أن يتحرر من ظلال الاشتراكية الثقيلة، ويشق طريقه نحو اقتصاد حرّ حقيقي؟ لطالما أُحيل القطاع الخاص في العراق إلى موقع التابع، لا القائد، موقع المترقب لعقود الدولة، لا المبادر في السوق. والنتيجة: قطاع يركض خلف مناقصة، ويختنق تحت أكوام من البيروقراطية، دون أن يمتلك أدوات النمو أو مساحات القرار. اليوم، بات واضحًا أن هذا القطاع ينقسم إلى قسمين. الأول: ذلك المُحاصر بعقلية اشتراكية، يعيش على فتات العقود الحكومية، لا يصنع قيمة مضافة حقيقية، بل يدور في فلك الرواتب الثابتة والمشاريع المؤقتة. أما الثاني: فهو القطاع الحر، الشبابي، الطموح، الذي يُجيد لغة السوق ويملك أدوات الابتكار، لكنه يعاني من غياب التشريعات الحامية، وندرة التمويل، وانعدام بيئة الأعمال المناسبة. هؤلاء الشباب يشكلون أكثر من 60 % من القوى العاملة الجديدة، ومع ذلك يُتركون في العراء، بلا حاضنات، ولا ضمانات، ولا حلول مصرفية تشجعهم على الوقوف بثبات. في المقابل، تُحاصرهم ضرائب غير مرنة، وعقبات إدارية لا ترحم، فيخسر البلد فرصًا عظيمة كان يمكن لها أن تُغيّر معادلات البطالة والركود. رغم كل ما سبق، فإن بصيص أمل بدأ يلوح. مسودة القانون الضريبي الجديد حملت إشارات مشجعة، تُحسب لصالح الحكومة التي بدأت بتعديل خطابها الاقتصادي، وتحرير بعض مفاتيح السوق التي بقيت عالقة لعقود. ويُسجّل لها كذلك أنها نجحت في زيادة الإيرادات غير النفطية على حساب النفطية، في بلد لطالما ربط مصيره بسعر البرميل. لكن أي تغيير حقيقي لا يمكن أن يُختصر في قانون أو قرار واحد. نحن بحاجة إلى منظومة اقتصادية متكاملة: * بنوك تدعم لا تعرقل. * تشريعات تُنظم دون أن تخنق. * حاضنات أعمال لا تبقى حبرًا على ورق. * بيئة رقمية تفتح الأبواب بدل أن توصدها. آن الأوان أن نعيد تعريف القطاع الخاص في العراق، لا كـ "تابع" لدائرة العقود، بل كمحرّك للنمو، وكشريك في التنمية، لا كمستهلك لموازناتها. آن الأوان أن يُمنح الشباب فرصة لاختبار قدراتهم، لا أن يُسجنوا خلف جدران التوظيف الحكومي. القطاع الخاص في العراق لا يفتقر إلى الموهبة ولا إلى الجرأة. ما ينقصه هو القرار، والشجاعة على تحريره من إرث ثقيل اسمه "الاقتصاد المؤمم".
*عضو لجنة الإصلاح الضريبي