علي كريم إذهيب /
تلعب المشاريع الصغيرة والمتوسطة دورًا حيويًا في الاقتصاد العراقي، كونها تمثل ركيزة أساسية لخلق فرص العمل وتنشيط السوق المحلي، خاصة في ظل تزايد نسب البطالة بين الشباب والخريجين. وبرغم اعتراف الحكومات المتعاقبة بأهميتها، إلا أن هذه المشاريع ما تزال تصطدم بجملة من التحديات التمويلية. أبرز هذه التحديات الحصول على قروض بشروط ميسّرة، والاعتماد المستمر على الضمانات العقارية، إضافة إلى ضعف البنية التشريعية والتنظيمية. في المقابل، شهدت السنوات الأخيرة تحركًا حكوميًا لافتًا لدعم هذا القطاع، من خلال إطلاق برامج مثل (ريادة)، وتأسيس (مصرف ريادة)، لتوفير تمويل نوعي يستهدف الفئات الهشّة والمبادرات الشبابية. ومع ذلك، يرى مختصون أن الدعم ما يزال دون المستوى المطلوب ما لم يُرافق بإصلاحات هيكلية في السياسات المصرفية، وتشجيع أدوات تمويل بديلة كالمشاريع التعاونية ورأس المال المغامر. في هذا السياق، تبرز الحاجة إلى بيئة تمويلية حديثة تواكب متغيرات الاقتصاد وتمنح هذه المشاريع فرصة للنمو والاستدامة. ظلت معضلة تمويل مشاريع الشباب لسنوات طويلة سابقة تتخبط بين صعوبة بلوغها أرياف العراق والمناطق الهشة، من جراء تدني الثقة، والبيروقراطية الإدارية، وانخفاض الشمول المالي، إضافة إلى ضعف البنية القانونية لحماية المشاريع الناشئة من الممارسات غير التنافسية، سواء بمبادرة الواحد تريليون دينار للبنك المركزي العراقي عبر المصارف، أو ما قدمته المنظمات الدولية، ما جعل كثير من الفئات الأشد حاجة، مثل النساء أو الخريجين أو سكان المناطق المحرومة، لا يصلهم الدعم بشكل مباشر أو فعّال. برنامج وطني توقفت تلك المعضلة إلى حين تدخلت حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ببرنامج وطني واعد عنوانه (ريادة)، وفق المستشار المالي والاقتصادي للحكومة الدكتور مظهر محمد صالح الذي قال إن "هذا التدخل في تأسيس برنامج (ريادة)، سوف يوفر دفعات مالية تستهدف تمويل نشاطات الشباب بشكل نوعي، إذ جرى إطلاق (مبادرة الخير) للمجلس الأعلى للشباب، وجرى الإعلان عنها في آذار 2025، وتركّز على تمكين الشباب في قطاعات الزراعة والأمن الغذائي والثروة الحيوانية والمناخ بقروض ميسّرة وتدريب ودعم فني، وذلك لمنع الهجرة من الأرياف إلى المدن، ومواجهة مشكلات كثيرة، منها ظروف التصحر لاستدامة الانتاج الزراعي والحيواني في المناطق الريفية ضمن مستهدفات البرنامج. كما تزامن ذلك بإطلاق المسابقة الوطنية للبرامج الشبابية، ومنها مبادرة من المجلس الأعلى للشباب، بقرار حكومي وتخصيص رأس المال من وزارة المالية لـ 100 مشروع، على شكل قروض ومنح مالية حتى 100 مليون دينار لكل مشروع فائز ." وأضاف صالح، في تصريح لـ"الشبكة العراقية": "كما جرى إطلاق دعم بنحو 5 مليارات دينار كمنح للمبادرات الشبابية، تشمل 293 منظمة أو فريقًا تطوعيًا. سبق ذلك، في آب 2024، أن أعلن رئيس الوزراء عن مبادرات تشمل تخصيص 1,000 قرض رقمي، 500 عبر (ريادة)، و500 عبر وزارة العمل والشؤون الاجتماعية." وأشار صالح إلى أن "جميع هذه الفعاليات، المهتمة في الاستثمار برأس المال البشري الوطني، قد قادت اليوم إلى عمل مؤسسي انتهى بتأسيس (مصرف ريادة) من قبل البنك المركزي العراقي، كشركة مختلطة لتقديم القروض الصغيرة والمتوسطة إلى الشباب." يستكمل المستشار حديثه بأنه "في العام 2023 أسس البنك المركزي العراقي مصرف ريادة للتنمية الاجتماعية، بهدف دعم الفئات الهشة وريادة الأعمال الصغيرة والمتوسطة بقروض ميسّرة وبضمانات مبسّطة، إذ يعتزم المصرف أن يكون القناة المخصصة لتمويل هذه الفئة الشبابية بدل الاعتماد على إطار مصرفي عام." ريادة الأعمال بدورها، تؤكد الخبيرة الاقتصادية الدكتورة إكرام عبد العزيز: أن "الحديث عن ريادة الأعمال لم يعد ترفًا أو خيارًا جانبيًا، بل أصبح ضرورة اقتصادية محورية، خاصة في ظل التحديات التي تواجه الشباب في سوق العمل التقليدي." وتضيف: "ينبغي أن نقف عند مصطلح ريادة الأعمال، فهو من المواضيع الحيوية التي تعكس الرغبة الحقيقية لدى الأفراد، خصوصًا الشباب، في إنشاء مشاريع خاصة، سواء كانت تجارية أو خدمية. المهم في الأمر أن تكون لهذه المشاريع جدوى مالية، تعود بالنفع على صاحب المشروع وتُسهم في تحريك عجلة الاقتصاد." وتشير عبد العزيز إلى أن المشاريع الريادية غالبًا ما تكون محفوفة بالمخاطر، مضيفة: "هناك عوامل عديدة تحكم نجاح المشروع، من أهمها التمويل وتكاليفه، والتسويق، والتغيرات الاقتصادية المحيطة، لذلك يجب أن تُبنى هذه المشاريع على أسس متينة من التخطيط والفهم الدقيق للسوق." وشددت الخبيرة الاقتصادية على أن تحويل الفكرة إلى مشروع، ومن ثم تطويره ليصبح مصدر دخل حقيقي، هو مسار يتطلب جهداً ومرونة مؤكدة، إذ "ينبغي للمبادر أن يمتلك رؤية واضحة، ليس بالضرورة أن تكون ستراتيجية طويلة الأمد، لكن على الأقل خطة واقعية تراعي متغيرات السوق وظروف البيئة المحيطة، حتى لا يكون المشروع هشًا أمام أول تحدٍ." في السياق ذاته، يشير خبراء اقتصاد إلى أن دعم ريادة الأعمال لا يجب أن يكون محصورًا بالتمويل فقط، بل يشمل توفير بيئة تشريعية مرنة، وبنية تحتية رقمية، وحاضنات أعمال قادرة على تحويل الأفكار إلى مشاريع قابلة للنمو. تحسين البيئة التمويلية بدورهِ، يوضح الخبير الاقتصادي الدكتور لطيف القره غولي أن "تحسين البيئة التمويلية في العراق يتطلب إصلاحًا هيكليًا شاملًا في السياسات المصرفية وآليات الدعم الحكومية، مع تركيز خاص على المشاريع الناشئة والصغيرة التي تعاني من ضعف الوصول إلى مصادر التمويل المستقرة." وقال القره غولي في حديثه لـ"الشبكة العراقية" إن "أول خطوة يجب أن تتخذها الحكومة هي إعادة هيكلة العلاقة بين البنوك والمشاريع الصغيرة، فالغالبية العظمى من المصارف ما زالت تتعامل بمنطق الضمانات العقارية والبيروقراطية، دون أية مراعاة لطبيعة هذه المشاريع الناشئة التي غالبًا ما تفتقر لتلك الأصول." وأضاف: "لا بد من تأسيس صندوق وطني خاص بتمويل المشاريع الصغيرة، يُدار بمهنية واستقلالية، ويُموَّل عبر مزيج من المال الحكومي والقطاع الخاص، ويمنح القروض بناءً على دراسات الجدوى وليس فقط الضمانات."
