100%
خضير الحميري
أول مرة أسمع فيها بمصطلح (غسل الأموال) كانت في محاضرة لأستاذ (السياسة المالية)، حين كنت طالبًا في كلية الإدارة والاقتصاد في سبعينيات القرن الماضي. كانت المحاضرة، كما تخبرني (وشلة) الذاكرة، حول المخاطر التي تهدد السياسات المالية والنقدية. ذكر الأستاذ المحاضر الفساد والتضخم والتهرب الضريبي و(غسل الأموال) وأشياء أخرى.. دون أن يستفيض بالشرح والتوضيح. لم أفهم المقصود بهذا المصطلح، فهو غير متداول على نطاق واسع. هممت أن أرفع يدي مستفسرًا، لكني خجلت من زملائي و (زميلاتي). لذلك اجتهدت مع نفسي في التفسير، ذهب خيالي بأنه ربما يقصد الأموال التي ينساها رب الأسرة (أحيانًا) في جيبه، وتأتي زوجته (من دون أن تدري) فتغسل ملابسه وتتسبب بتلف الأوراق النقدية، ما يعني خسارة في السيولة النقدية.. التي تؤثر بدورها على السياسة المالية.
راجعت تفسيري بعد المحاضرة ووجدته ضعيفًا، لا يصمد أمام المحاججة، فالزوج يحرص على تفريغ جيوب ملابسه تمامًا قبل أن يحولها للغسل، والفلس الذي يفلت من يد الزوج لن يفلت من (بحوشة) الزوجة. لذلك استعنت بأحد أصدقائي (الدرّاخين) ليوضح لي المصطلح، فقال: إن الأموال، وبسبب كثرة التداول بين الأيدي والبنوك تتعرض للاتساخ، ما يتوجب غسلها بين فترة وأخرى، ولذلك يضعونها في (طشت) كبير، ويضيفون عليها مواد منظفة، ثم يدعكونها دعكة خفيفة.. وخلال الدعك يمكن أن يخرج بعضها من الخدمة، ما يؤثر على السياسة المالية. كدت أن أقتنع لو لم ينفجر صاحبي ضاحكًا، ويمدني بوريقات أوجز فيها الأستاذ تفاصيل المصطلح في محاضرة سابقة لم أحضرها!
ومنها عرفت أن غسل، أو تبييض، الأموال هو عملية إعادة تدوير الأموال الناتجة عن الأعمال غير المشروعة (فساد، تهريب، مخدرات، أسلحة، دعارة، سرقة، ممنوعات)، في مجالات وقنوات استثمار شرعية تخفي المصدر المشبوه لهذه الأموال، لتبدو كما لو كانت قد تولدت من مصدر مشروع لا غبار عليه، وتمر تلك الأموال (الوسخة)، وفقًا للمختصين، بثلاثة مراحل لإتمام عملية الغسل هي: (الإيداع، والتمويه، ثم الإدماج). وبعد انتهاء المرحلة الثالثة (مرحلة التخرج) تحصل الأموال على شهادة النظافة التامة من أدران الفساد وشبهات السرقة!