ياسر متولي /
الأزمة، بتعريف بسيط، هي الفوضى التي تعيشها دول العالم، المتمثلة بفوضى النظام التجاري العالمي، وكذلك النظام المالي والمصرفي، من جراء السياسات غير المتوازنة التي تصدر من الدول العظمى بسبب تضارب المصالح. وأقسى الأزمات تلك التي تقود إلى نشوب الحروب. وفي كل الأحوال، هناك دول تتضرر من أية أزمة في عينها، وأخرى تستفيد وتقتنص الفرصة، هذا هو واقع الحال. وأقرب مثال يمكن إدراجه هنا لتأكيد هذه الرؤية، الحرب الضروس التي دارت رحاها بين إيران والكيان الصهيوني، التي ألقت بظلالها على غالبية اقتصاديات دول العالم، ولكن بنسب متفاوتة. وإذا ما نظرنا من زاوية المقارنة، من خلال الصراع بين الدولتين المتنافستين في السيطرة والنفوذ على الاقتصاد العالمي، أعني اميركا والصين، سنجد أن الضرر الأكبر تتحمله اميركا، بفعل انغماسها ودعمها للكيان الصهيوني، فيما نجد أن الصين استمرت على نهجها في التعامل مع الأزمات ببرود وعقلانية، ما جعلها المستفيد الأكبر من هذه الأزمة ومضيّها بالنمو والتطور، والتفوق على دول العالم. تشير آخر الدراسات والتوقعات الصادرة عن كبار خبراء الاقتصاد والأعمال، وفي مقدمتهم الأميركان، إلى أن الصين ستصبح عام 2030، الإقتصاد الأقوى في العالم، وبواقع ضعفي الاقتصاد الأميركي، هذه الصورة، أو النتيجة، توضح لنا نظرية الاستفادة من فرص الأزمات، وكما يقال: "مصائب قوم عند قوم فوائد." كما تكشف الدراسة ذاتها أن الاقتصاد الهندي سيصبح الاقتصاد الثاني في العالم، نظرًا لتسارع مراحل النمو فيه، إذ من المتوقع أن يبلغ عديد سكان الهند ما يساوي نفوس الصين، يليه الاقتصاد الأميركي في المرتبة الثالثة، بعد أن كان يتصدر المرتبة الأولى لعقود من الزمن، فيما سيحل الاقتصاد الروسي في المرتبة الرابعة، يليه الاقتصاد الإندونيسي في المرتبة الخامسة، ثم المصري في المرتبة السادسة. إن صول مصر إلى هذه المرتبة، جاء نتيجة لنسبة الناتج القومي الإجمالي المصري، التي بلغت 8 %، وهي أعلى نسبة في العالم، وسنأتي على تفسير ذلك في سياق المقال. كيف استطاعت مصر بلوغ هذه النسبة برغم التحديات الاقتصادية والاجتماعية؟ من المعروف أن الدول الكبيرة من حيث نسب وحجم السكان، تواجه طلبًا كبيرًا على الغذاء والدواء، وفي ظل سياسات رشيدة، استطاعت مصر تأمين ذلك. ومن البديهي أن الدول الريعية تصب جلّ اهتمامها في محاولة ارضاء شعوبها، وإغرائهم ببعض الخدمات والوعود، كزيادة الرواتب وبعض الخدمات، دون الاهتمام بالاستثمار المنتج للثروة، وبذلك سرعان ما تواجه هذه الدول تحديات في مقدمة أية أزمة تحدث، فتعاني من عدم إمكانية تأمين الرواتب وارتفاع نسب البطالة. وقد ذهبت مصر نحو الاستثمار في البنى التحتية، وهي أساس النمو الحقيقي، وبناء الثروة من خلال الاستثمار في المستقبل، رغم مواجهتها لتحديات اجتماعية على أمل حصاد النتائج في المستقبل، كما أن هناك مفهومًا اقتصاديًا جديدًا مفاده أن رأس المال الحقيقي للبلد يكمن في عصر المعرفة، ولاسيما تعظيم سلاسل القيمة المعرفية للأشخاص، والاختراعات، وتصنيع التكنولوجيا، وأدوات التقنيات الحديثة في المعرفة، إذ تعدّ (وظائف المستقبل) التي تتلاحم سريعًا مع عصر المعلوماتية، التي تتلخص جميعها في الاستثمار بالبنى التحتية الرقمية، والبناء الرقمي، والذكاء الاصطناعي، بشكل تتسابق عليه الأمم في كسب فرص النمو والتطور الاقتصادي. إذ إن اغتنام الفرص يكتسب أهمية بالغة في مواكبة التطور العالمي السريع المتغيرات.