أحمد عبد ربه /
في ظل اشتداد التوترات الإقليمية خلال الأيام الماضية، بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والكيان الصهيوني، أُعيد تسليط الضوء على مسألة أمن الطاقة في الشرق الأوسط، وانعكاساتها المباشرة على الدول المصدّرة للنفط، وفي مقدمتها العراق. فقد تصاعدت التحذيرات وقتها من احتمال إغلاق مضيق هرمز، الممر البحري الأكثر ستراتيجية في العالم، الذي يمر من خلاله أكثر من 20 مليون برميل نفط يوميًا، أي ما يعادل نحو ثلث كميات النفط المتداولة عالميًا عن طريق البحر. التحدي الأساسي التحدي الأساسي الذي يواجه العراق يتمثل في موقعه الجغرافي المحدود نسبيًا على الخليج العربي، مقارنة بدول كالسعودية أو إيران، اللتين تمتلكان سواحل أطول وخيارات تصدير أكثر تنوعًا. وبالرغم من محاولات متكررة لتوسيع البنية التحتية التصديرية منذ عام 2003، فإن أغلب المشاريع البديلة تعثرت لأسباب سياسية أو أمنية. وسط هذا المشهد المتوتر، برزت من جديد دعوات داخل العراق إلى ضرورة تنويع منافذ تصدير النفط الخام، وعدم الاكتفاء بالاعتماد الكلي على الموانئ الجنوبية في البصرة. تعويم النفط في البحر في خضم هذه التطورات، طرح الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي مقترحًا احترازيًا يتمثل في تعويم النفط العراقي في البحر، أي تخزينه في ناقلات عملاقة ترسو في المياه الدولية، تحسبًا لأي طارئ قد يعيق حركة التصدير من المنافذ البحرية. وقال المرسومي إن "العراق ينبغي أن يتحسب لاحتمالات غلق منافذ تصدير النفط نتيجة لإغلاق مضيق هرمز، حتى وإن كان هذا الاحتمال ضعيفًا." مستشهدًا بتجارب كل من السعودية وإيران، إذ تحتفظ الأولى بمخزون نفطي عائم يقدر بنحو 155 مليون برميل، بينما تخزن إيران نحو 120 مليون برميل في ناقلات قرب سنغافورة وماليزيا، وهو ما يعادل صادراتها لمدة شهرين. إلا أن هذا المقترح قوبل بتحفظات من خبراء اقتصاديين آخرين، أكدوا أن خيار التعويم البحري لا يعد مستدامًا من الناحية الاقتصادية، بل إنه قد يمثل عبئًا ماليًا في ظل التكاليف العالية المرتبطة باستئجار السفن وتكاليف التأمين البحري والصيانة. الكلفة والمخاطر الخبير الاقتصادي، الدكتور مصطفى أكرم حنتوش، وصف تعويم النفط بأنه "خيار غير عقلاني اقتصاديًا في الظروف الطبيعية." لافتًا إلى أن "تكديس النفط في السفن دون وجود عقود بيع مضمونة أو مواعيد تفريغ واضحة، لا يحقق أي فائدة مباشرة، بل يحمل العراق أعباء مالية كبيرة." ورأى حنتوش أن الأفضل للعراق هو التركيز على حلول دائمة، في مقدمتها إعادة تفعيل خط أنابيب كركوك – جيهان التركي، الذي كان يضخ النفط نحو موانئ البحر المتوسط. وقال إن هذا الخط يُعد شريانًا حيويًا لتدفق النفط العراقي نحو الأسواق الأوربية، لكنه توقف منذ مدة بسبب خلافات فنية وقانونية. كما دعا إلى إعادة تقييم شبكة الأنابيب، سواء مع الأردن، أو سوريا، أو حتى السعودية، مشددًا على أن العراق لا يمكنه الاستمرار في الاعتماد على منفذ واحد لتصدير معظم إنتاجه النفطي، الذي يشكل أكثر من 90 % من إيرادات الدولة. حل ستراتيجي من جانبه، اعتبر الخبير الاقتصادي مصطفى الفرج أن خيار التخزين البحري يجب أن يُستخدم فقط كحل مؤقت في حال نشوء أزمة مفاجئة، محذرًا من "الاعتماد على هذا النموذج الذي يتطلب تكاليف باهظة للتخزين والنقل والتأمين." وشدد الفرج على ضرورة التوجه نحو توسيع منشآت التخزين البرية في جنوبي العراق، باعتبارها أقل كلفة وأكثر أمانًا، إذ تمنح الحكومة قدرة أكبر على التحكم بإدارة المخزون في حالات الطوارئ، دون الدخول في تعقيدات النقل البحري أو المخاطر الأمنية الدولية. كما دعا الفرج إلى اعتماد نهج ستراتيجي بعيد المدى، يتمحور حول تعزيز الربط مع تركيا عبر خط جيهان، مع الاستثمار في تطوير أنابيب بديلة مثل خط البصرة – العقبة، إضافة إلى السعي لإحياء خط كركوك – بانياس عبر سوريا، مع إعادة النظر في إمكانية ربط العراق بمنظومة الطاقة الخليجية عبر السعودية والكويت. وأشار إلى أن تنويع منافذ تصدير النفط العراقي لم يعد مجرد خيار ستراتيجي، بل أصبح ضرورة وجودية لضمان أمن الطاقة الوطني، وحماية الاقتصاد العراقي من الهزات التي قد تنشأ في أية لحظة بفعل التوترات الإقليمية أو الأزمات العالمية.