محمد عبد الجبار الشبوط /
يُعد المواطن الفعّال حجر الزاوية في إقامة الدولة الحضارية الحديثة، فإن العقل الفعّال يمثل البنية التحتية المعرفية التي تنهض عليها هذه الدولة. والعلاقة بين المواطن الفعّال والعقل الفعّال علاقة تكامل واشتراط، فليس ثمة مواطن فعّال بلا عقل فعّال. ومن هنا تبرز الحاجة إلى دراسة هذين النمطين من العقول: الفعّال والخامل، على غرار ما ندرسه من أنماط المواطنين في أي مشروع حضاري طموح. فأما العقل الفعّال، فهو ذلك النمط من العقول الذي يتميز باليقظة والمرونة والإنتاج، الذي لا يكتفي بتلقي المعارف، بل يسعى إلى نقدها، وتطويرها، وإعادة إنتاجها، وفق معايير عقلية صارمة ومنظومة قيمية حيّة. إنه عقل يسأل، ويتأمل، ويربط بين الظواهر، ويسعى لإنتاج فهم أعمق للواقع. العقل الفعّال عقل مبادر، يواجه التحديات الفكرية والعملية بحس نقدي وإبداعي، لا يرضى بالسائد لمجرد أنه شائع، ولا يرفض الجديد لمجرد أنه غريب. إنه يشكل إحدى الأدوات الأساسية في بناء المجتمع الحضاري الذي يطمح إليه مشروع الدولة الحضارية الحديثة. أما العقل الخامل، فهو ذلك العقل الذي يعيش على هوامش التفكير، يستهلك ما يُقدّم له دون تمحيص، ويخشى الخروج على المألوف، ويعجز عن قراءة الواقع أو التفاعل مع مستجداته. هذا العقل تابع، وجامد، ومتقاعس عن أداء دوره الحيوي، ويتحول في كثير من الأحيان إلى أداة في تكريس الجهل أو التواطؤ مع الرداءة. العقل الخامل قد يكون متعلّمًا، لكنه غير مفكر. وقد يكون صاحب شهادات، لكنه يفتقر إلى الوعي النقدي والاستقلالية الفكرية. وهو بهذا المعنى، أقرب إلى عبء معرفي لا يسهم في أي نهوض حقيقي. التحول من مجتمع العقول الخاملة إلى مجتمع العقول الفعّالة هو الشرط الأول للنهضة الحضارية. ولا يمكن تحقيق هذا التحول دون مشروع تربوي ومعرفي وثقافي شامل، يبدأ من مناهج التعليم، مرورًا بالمؤسسات الإعلامية والدينية، وانتهاء بالبيئة الاجتماعية والسياسية. فلا الدولة الحضارية الحديثة تقوم بعقول خاملة، ولا المواطن الفعّال يولد في بيئة تكرّس الخوف والتقليد والجمود.