حوار : سجى رشيد /
في مواجهة التحديات المجتمعية المتصاعدة، من الفكر المتطرف إلى الإشاعات والعنف والمخدرات، برزت الحاجة إلى ستراتيجية وطنية شاملة تتجاوز الأساليب التقليدية، وتؤسس لخطاب وطني جامع. من هنا، تشكّلت اللجنة الوطنية الدائمية للتوعية والإرشاد المجتمعي برئاسة الدكتور حيدر علوان الساعدي، مستشار رئيس الوزراء، لتكون إطارًا مؤسساتيًا ينطلق من "العقل لا العنف"، ويراهن على الوعي، لا القمع. في هذا الحوار مع الساعدي، نضع أمام القارئ تفاصيل تأسيس اللجنة، وطبيعة عملها، وأبرز ما حققته، والآفاق المستقبلية لتعزيز التماسك الوطني. * بداية، كيف تأسست اللجنة الوطنية للتوعية وما أهدافها الأساسية؟ - تأسست اللجنة بقرار حكومي، وبتوجيه من مكتب رئيس الوزراء، استجابة للحاجة المتزايدة إلى خطاب وطني موحَّد يواجه الفكر المتطرف، ويرسّخ قيم المواطنة والسلم المجتمعي. وتضم اللجنة شخصيات أكاديمية وإعلامية ودينية من مختلف مؤسسات الدولة، وتعمل على إطلاق حملات توعوية وإرشادية تستهدف مختلف فئات المجتمع، وخاصة الشباب، من خلال أدوات إعلامية وميدانية تجمع بين التأثير والنقاش البنّاء. * ما الجهات التي تتعاونون معها ضمن هذا العمل الوطني المشترك؟ - نتعاون مع طيف واسع من الجهات، أبرزها وزارات: الداخلية، والدفاع، والتعليم العالي، والتربية، والثقافة، والأوقاف، إضافة إلى العتبات المقدسة، وهيئة الإعلام، وهيئة الحشد الشعبي (قسم مكافحة الإرهاب الفكري)، ومفوضية حقوق الإنسان، ومنظمات المجتمع المدني. نعتمد على فرق عمل مشتركة تجتمع دوريًا لتوزيع الأدوار ووضع برامج تنفيذية وفق الأولويات الوطنية. * ما أبرز الحملات التي نفذتموها مؤخرًا؟ وهل هناك قصص نجاح بارزة؟ - كانت لدينا حملة لمكافحة الإرهاب الفكري داخل الجامعات، بالتعاون مع مديرية مكافحة الإرهاب الفكري. كما نفذنا حملة لمحو الأمية بالتعاون مع وزارة التربية. كذلك، رعينا صلوات موحّدة جمعت مختلف الطوائف، وعملنا على الصلح العشائري بين عشيرة الجحيش والإخوة الإيزيديين في نينوى، ضمن مبادرة رئيس الوزراء لاستقرار المناطق المحررة. كما أطلقنا أيضًا مراكز تعليمية داخل المؤسسات الحكومية لغير المتعلمين، ونعمل حاليًا على إدخال مادة "الهوية الوطنية" ضمن المناهج الجامعية. * كيف تتعاملون مع الملفات الحساسة مثل المخدرات والعنف الأسري؟ - نتّبع مقاربة شاملة تجمع بين المحاضرات، والندوات، وورش العمل، والإعلام التوعوي، سواء من خلال التلفزيون أو وسائل التواصل. في ملف المخدرات نركّز على التوعية الشبابية المبكرة، وفي ملف العنف الأسري نعمل على نشر قيم الحوار والتفاهم الأسري. أما في مواجهة الإشاعات والتطرف، فنركّز على التفكير النقدي والتحقق من المصادر، وتعزيز خطاب الاعتدال. * ما الوسائل التي تعتمدون عليها لإيصال رسائلكم التوعوية؟ - نعتمد مزيجًا من البرامج الميدانية، والمسرح التفاعلي، واللقاءات المباشرة، والمطويات، والبوسترات، والفيديوهات القصيرة. كما ننسّق مع القنوات الفضائية والصحف والإذاعات، إضافة إلى فرق إعلامية متخصصة تدير حملات رقمية للوصول إلى الشباب ومؤثري السوشيال ميديا. * هل لديكم أدوات لتقييم أثر هذه الحملات؟ - نعم، نقوم بتقييم دوري يشمل الحضور، والتفاعل المجتمعي، والتغذية الراجعة من الشركاء. كما نعقد اجتماعات مراجعة تحليلية لقياس مدى تحقق الأهداف، وتعديل الخطط وفقًا لمتغيرات الواقع الميداني. * ماذا عن برامجكم المخصصة للشباب؟ وهل من تعاون مع الجامعات والمدارس؟ - من أهم اللجان هي لجنة دعم الاستقرار في نينوى، التي تجمع كل النشاطات، بالإضافة إلى لجنة فرعية خاصة بالحوار المجتمعي للشباب، التي تنفذ ورشًا ومسابقات تثقيفية، وبرامج لبناء الشخصية، وتعزيز روح الانتماء. كذلك نتعاون مع الجامعات والمدارس ونقدّم تدريبات حول المشاركة المجتمعية، ونستمع بشكل مباشر لآراء الشباب وتطلعاتهم. * ما أبرز التحديات التي تواجه عملكم؟ - صعوبة الوصول إلى بعض المناطق، كذلك فإن تعدد الشركاء يتطلب تنسيقًا عالي المستوى. لكن برغم ذلك، نحظى بدعم حكومي متواصل يضمن استمرارية الأنشطة ويمنحنا المرونة في التعامل مع التحديات. * ما خططكم المستقبلية لتوسيع النشاط؟ - نخطط لتكثيف العمل في المحافظات، خاصة المناطق النائية والمهمشة، مع توسيع الشراكات المحلية، ونعمل أيضًا على تطوير برامج رقمية أكثر حداثة، وتوسيع محتوى الفيديو، وإطلاق تطبيقات ذكية تُتيح للمواطنين الوصول إلى المواد التوعوية والدورات بسهولة. * كيف تقيّمون دور الإعلام العراقي في دعم جهودكم؟ - الإعلام شريك رئيس، خاصة الرسمي، مثل شبكة الإعلام العراقي التي تغطي أنشطتنا بشكل متواصل. ومع ذلك، نطمح لتوسيع التأثير في الإعلام الرقمي والشبابي، لتعزيز حضور الخطاب التوعوي في الفضاءات التي يتواجد فيها الجيل الجديد. * هل هناك تنسيق مع جميع الطوائف؟ - بالتأكيد، جميع الطوائف الدينية والعشائر ركائز في منظومتنا التوعوية، لهم ثقل مجتمعي كبير، ويسهمون معنا في تعزيز السلم الأهلي، وترسيخ مفاهيم التعايش، ورفض التطرف، خصوصًا في المناطق ذات البُنى العشائرية التقليدية. * ما موقفكم من التحول الرقمي؟ وهل من مشاريع رقمية مقبلة؟ - نتبنى التحول الرقمي كخيار ستراتيجي، ننتج مواد مرئية رقمية، ونعمل على تطوير تطبيقات ومواقع إلكترونية تقدّم محتوى تعليميًا وتوعويًا. نسعى أيضًا لإنتاج (بودكاستات) وفيديوهات قصيرة تواكب الذائقة الرقمية وتخاطب الجمهور بأسلوب حديث. * ما رسالتكم الأخيرة للمواطنين؟ - رسالتنا هي أن الوحدة الوطنية والتماسك المجتمعي هما درع العراق الحقيقي. ندعو كل المواطنين ليكونوا خط الدفاع الأول ضد التطرف والطائفية والكراهية، ولننشر معًا ثقافة المحبة، والحوار، والانتماء، فبالفكر والوعي، لا بالعنف والإقصاء، نبني عراقًا يستحقه أبناؤه.