100%
رضــا الـمـحـمــداوي
لمْ تعدْ عملية إنتاج الأعمال الدرامية التلفزيونية عملية سهلة أو بسيطة، على المستوى المالي والميزانيات والمستلزمات الإنتاجية الواجب توفرها، ذلك لإن إنتاج مسلسل تلفزيوني باتَ يتطلب أموالًا طائلةً وعمليات لوجستية قد لا تستطيع بعض القنوات توفيرها أو القيام بها لغرض تحريك ماكنة الصناعة الدرامية، وسيزداد الوضع صعوبةً وتعقيدًا لدى المؤسسات والدوائر الفنية والإعلامية الرسمية التي يرتبط عملها وإنتاجها بالموازنة السنوية العامة للحكومة.
ينطبق هذا الأمرعلى شبكة الإعلام العراقي والقنوات العاملة فيها، حيث يتعثر الإنتاج الدرامي في قناة (العراقية العامة) أحيانًا، وفي مديرية الدراما تحديدًا، بسبب عدم وجود التخصيصات المالية للإنتاج الدرامي، كما حَدَثَ في بعض السنوات. وقد مَرَّتْ (الشبكة) بمواسم إنتاجية سابقة وبنسب متباعدة ومتفاوتة، عانت فيها من جفاف وشح إنتاجي درامي، ترك فراغًا دراميًا كبيرًا على شاشتها.
من هنا جاءتْ أهمية وضرورة مبادرة دعم الدراما، التي أطلقها السيد رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني في العام الماضي 2024، حين رصد مبلغ 5 مليارات دينار مُخصصة لتحريك عجلة الدراما العراقية، وجرى تشكيل لجان إدارية وتنظيمية وفنية مختصة لأجل فحص وتقييم النصوص الدرامية المُقدَمَة، ومن ثم جاءتْ عملية المفاضلة بينها لإختيار الشركات الفنية الخاصة التي قامتْ بتنفيذ تلك الأعمال الدرامية، وقد تم قطف ثمار هذه المبادرة الفنية ووضعها في سلة الموسم الإنتاجي الرمضاني لهذا العام 2025 بإنتاج خمسة أعمال درامية، عُرِضَتْ أربعة منها وبقي مسلسل واحد، (قطار الموت) لمؤلفه علي صبري، ومخرجه رعد مشتت، ينتظر وصوله إلى محطة العرض على شاشة (العراقية).
اختراق داعش
وكان لمسلسل (النقيب)، تأليف جعفر تايه، وإخراج وثاب صكَر، وقعه الخاص، إذ حظي بمتابعة واسعة، وأحتلَّ صدارة الاهتمام بين الأعمال المُنتَجة، وذلك لأسباب، منها أنَّ العمل الدرامي اندرج تحت عنوان (الأعمال الدرامية الوطنية)، فقد استوحي المسلسل من قصة حقيقية تتعلق بعمل وكالة الاستخبارت والتحقيقات الاتحادية العراقية، وخضعتْ أحداثها لتغييرات وإضافات تقتضيها الضرورات الأمنية والفنية والدرامية، واتخذتْ هذه القصة محورها الرئيس من العمل البطولي الذي قام به الشهيد البطل (حارث السوداني) واختراقه صفوف تنظيم داعش الإِرهابي، وتسريب المعلومات الأمنية إلى الجهات المُختصة، التي قامتْ بإفشال العديد من المخططات الإِرهابية التي كانت تستهدف حياة الأبرياء من أبناء شعبنا، وقد دَفَعَ الشهيد (أدّى دورَهُ الممثل حيدر أبو العباس)، حياتَهُ ثمنًا لهذا الاختراق الأمني الخطير.
أمّا الأعمال الدرامية الثلاثة الباقية فطغى عليها الطابع الاجتماعي بمختلف مضامينه وقصصه، مع الأخذ بنظر الاعتبار مسألة الاختلاف في تأليف النصوص، وكتابة السيناريو، وتباين المستوى الفني لهذه الأعمال، تبعًا للمعالجة الإخراجية والرؤية الفنية لكل مخرج، وطريقة استخدامه لأدواتهِ الفنية، وكان أبرزها في هذا الجانب مسلسل (دار المنسيين) لمؤلفه مهند هادي، ومخرجه حيدر الشامي، الذي اتخذَ من دار المسنين مكانًا دراميًا تجتمع فيه مجموعة من كبار السن، عارضًا معاناتهم الإجتماعية المتمثلة في العيش بحياة فردية منعزلة بعد أنْ تخلتْ عائلاتهم عنهم وتركتهم لوحدهم يعيشون حياة قاحلة كأنهم أناس منسيون، وقد أَفَرَدَ المسلسل لكلّ واحد من نزلاء الدار حيزًا دراميًا يلتقي أو يشترك مع الشخصيات الأخرى، وكان المسلسل من بطولة إيناس طالب ومحسن العلي وسناء عبد الرحمن وطه علوان وغيرهم.
خط أبيض
وبنفس الإطار الاجتماعي العام، ولكن ضمن ما يُعرف بـ(دراما العائلات)، جاء مسلسل (أولاد جابر) لمؤلفهِ ماهر مجيد، وإخراج اللبناني شادي زيدان، حيث الصراع والخلاف بين الإخوة الثلاثة وعائلاتهم، عائلة (جابر) وابنه ياسر(غالب جواد)، والأُم (سعاد كرم)، والجد (محمود شنيشل) مع عائلة (ثائر) (جلال كامل) والأُم (آسيا كمال) وأولادهما، ومعهم عائلة (عامر) (غانم حميد) وابنتاه (نشوى) (شروق الحسن) و(لينا) (وسن محمد) وأنضمّتْ إليهم عائلات أُخرى.
وكان مسلسل (ياقوت) لمؤلفته بانه نعيم رزق، ومخرجه علي أبو سيف، أكثر وضوحًا في الإشارة إلى مضمونه بواسطة العنوان المكتوب بالخط الأبيض، ثم تلطيخه بلون الدم، إذ تذهب الزوجة (ياقوت) (كادي القيسي)، ضحية لجريمة قتل في ظروف غامضة وملتبسة، تختلط فيها جريمة القتل بدافع السرقة مع الخيانة الزوجية والغدر، لتتجه أصابع الاتهام إلى زوجها ( كمال) (سنان العزاوي) وعائلته، في حين يقف الأب (حجي مناضل) (سامي قفطان) وعائلته في حيرة من أمرهم إزاء مقتل ابنتهم الشابة، ومع توالي حلقات المسلسل، تتعدد العائلات وتتكاثر الشخوص في شبكة واسعة، تصل إلى حدود عشرين شخصية بعلاقات ومصالح متقاطعة تتكشف لنا شيئًا فشيئًا.
اللقطة الأخيرة
هذا الأعمال الدرامية التي استعرضتُها كانت من أعمال مبادرة دعم الدراما بلجانها واختيارتها الفنية، أما إنتاج مديرية الدراما في قناة (العراقية) فقد اقتصر- في النوع الإجتماعي تحديدًا - على مسلسل واحد، (الأُم طليعة) لمؤلفه حمزة الشمري، ومخرجه صاحب بزون، وشارك في تمثيله مجموعة من الفنانين، منهم سهى سالم وسعد محسن وحيدر منعثر وغيرهم، وكانت رسالة المسلسل اجتماعية تتعلق بالأمومة، إذ حرصت المرأة (طليعة) على تبنّيها طفلين غريبين، حديثي الولادة، وضمهما إلى عائلتها، والحرص على تربيتهما ورعايتهما حتى شبابهما ودخولهما الجامعة.