الدراما العراقية والإنتاج العربي المشترك صفحاتٌ مُشرقة زاخرة بالإنجاز الفني

رضــا الـمـحـمــداوي دشّنت بواكير الإنتاج السينمائي في العراق مرحلة الإنتاج العراقي – العربي المشترك منذ أنْ أُنتجَ أول فيلم عراقي (ابن الشرق)عام1945، الذي قام بإخراجه المخرج المصري إبراهيم حلمي، ومثَّل فيه كُل من مديحة يسري وحضيري أبو عزيز وغيرهما، وتَبعه فيلم بعنوان (القاهرة – بغداد) عام 1947للمخرج المصري أحمد بدرخان، وكان من تمثيل بشارة واكيم ومديحة يسري وحقي الشبلي وعفيفة اسكندر. بعد تأسيس تلفزيون بغداد عام 1956، الذي اعتبرَ في حينه أوّل محطة تلفزيونية في الوطن العربي، بدأت مرحلة الإنتاج الدرامي في حقبة الستينيات بخطوات متواضعة، حين جرى إنتاج أعمال درامية بسيطة، إلا أنّ هذا الإنتاج الدرامي سرعان ما شهد تطوراً إنتاجياً ملحوظاً في سبعينيات القرن الماضي، ليبرز اسم المخرج المصري الراحل إبراهيم عبد الجليل ويشكّلُ بتجربته في إخراج الأعمال الدرامية العراقية اسماً بارزاً ومتميزاً، وذلك بإخراجه سلسلة درامية ناجحة حظيت بنجاح جماهيري كبير، أوّلها كان مسلسل (جرف الملح) عام 1974، ومن ثم مسلسل (الدواسر) عام 1975وختامها كان مسلسل (المتمردون) عام1977. وفي حقبة الثمانينيات واصلَ المخرج الراحل مسيرته الفنية الناجحة بإخراجه مسلسل (الذئب وعيون المدينة)، وبعده مسلسل (النسر وعيون المدينة). تجارب متميزة وشهدتْ سنوات منتصف العقد الثمانيني من القرن المنصرم إنتاجات وإنجازات درامية متميزة عدة من تجارب الإنتاج العراقي – العربي المشترك، أبرزها مسلسل (ابراهيم طوقان) عام 1984عن حياة الشاعر الفلسطيني الراحل (إبراهيم طوقان)، لمؤلفه محمود شقير، وإخراج موفق رفيق صلاح، وتمثيل محمد القباني ومحمود أبو غريب وكوثر النشاشيبي، ومن الممثلين العراقيين المشاركين كان كلٌ من كنعان وصفي وسمر محمد وريكاردوس يوسف وطه علوان وطارق شاكر. إلا أنّ الإنتاج العراقي- العربي الكبير المشترك في هذه الحقبة قد تمثَّل بإنجاز المسلسل التاريخي (الكبرياء تليق بالفرسان) لمؤلفه الكاتب الكبير الراحل محفوظ عبد الرحمن (1941 - 2017)، ومن إخراج المخرج الأردني عباس أرناؤوط (من مواليد 1944)، ومثَّل فيه كلٌ من عبد الله غيث ويحيى شاهين وأمينة رزق ورشوان توفيق وعبد العظيم عبد الحق، أما من الفنانين العراقيين فقد اشترك كُلٌ من بدري حسون فريد وطعمة التميمي وسامي عبد الحميد وجواد الشكرجي. وفي حقبة التسعينيات انحسرتْ مثل هذه الأعمال الدرامية ذات الطابع المشترك وذلك لعدة أسباب، منها الظروف السياسية العربية العامة وتداخلها مع مشكلات ضعف التمويل وعقبات إنتاجية أخرى حالتْ دون الاستمرار بهذا النمط الإنتاجي. الغائب يعود..! في السنوات القليلة الماضية، عاد هذا النمط الإنتاجي إلى شاشة التلفزيون بواسطة بعض القنوات الفضائية العراقية، بالاشتراك والتعاون مع شركات الإنتاج الفني العراقي الخاصة، فقد سبق لقناة (العراقية) أن عرضت مسلسل (زواج سفر)، وهو من إنتاج شركة (أفق بغداد للإنتاج الإعلامي)، من تأليف السوري فادي الحسين، وإخراج شفيق محسن، الذي أخرج الجزء الأكبر من المسلسل، الذي تدور أحداثه في سوريا، ومثّل فيه كل من سامي قفطان وسمر محمد وتيسير الياسري، ومعهم من سوريا أندريه سكاف وعبير شمس الدين وغيرهم. أما محور الأحداث التي دارت في بغداد، ومثَّل فيها كل من حيدر منعثر وزهرة بدن، فقد أخرجها صباح رحيمة. أما المسلسل الثاني فهو مسلسل (صَفّين لولي)، الذي عرضته قناة (هنا بغداد)، وهو من إنتاج (شركة الناظر للإنتاج الإعلامي)، وقد تعاون ثلاثة من المؤلفين على كتابة حلقاته، وهم (أحمد راشد وهاني النابلسي وعلي المشادي)، والإخراج كان للمخرج العراقي صفاء عيدي، أما التمثيل فقد اشتركت فيه نخبة من الممثلين العراقيين، وهم كلٌ من كاظم القريشي وذو الفقار خضر وسولاف، مع مجموعة من الممثلين المصريين المعروفين، منهم الراحل عزت أبو عوف وراندا البحيري وعلا رامي. ويندرجُ مسلسل ( صَفّين لولي) ضمن نمط الـ (سيت كوم) الدرامي، الذي يمتاز بالتصوير في مواقع التصوير الداخلية حصراً، لتدور الأحداث والشخصيات معها داخل هذه الأماكن المحدودة المغلقة، وهو عمل فكاهي خفيف تدور أحداثهُ في مركز تجميل مصري يقع في عمارة سكنية وتعمل فيه مجموعة من العاملين المصريين والعراقيين. وفي موسم رمضان الدرامي في العام الماضي، قامت قناة (العراقية) بإنتاجها لمسلسل (ضوء أسود)، وهو من تأليف ورشة أقامتها الشركة المنفّذة للعمل الدرامي، ومن إخراج المخرج المصري أحمد سامح، وتمثيل الممثلة المصرية ندى عادل. وفي هذا العام قامت قناة (دجلة) بإنتاج مسلسل ( ورث عمتي)، وعرضته على شاشتها، وهو من تأليف فاضل عباس، وإخراج علي حنون، ومثّل فيه من العراق كلٌ من إياد راضي وإيناس طالب، مع مجموعة من الممثلين، ومن مصر شارك الفنانون علاء مرسي وانتصار عبد الباسط وحسن عبد الفتاح وإيمان السيد. لقطات المشهد الأخير إنّ الجانب المهم والمشجّع في هذه الأعمال ذات الطابع الإنتاجي المشترك، التي قام بإنتاجها المنتج العراقي، سواء من قبل القنوات الفضائية العراقية أو بواسطة شركات الإنتاج الفني الخاصة، يتمثّل بوجود الممثلين العراقيين إلى جانب الممثلين المصريين والسوريين، ما يوفر فرصة مناسبة لإثبات جدارة الممثل العراقي وقدرته على مجاراة الممثل العربي في الحضور المشترك على شاشة التلفزيون، خاصةً إذا توفرت فرصة تسويق وتوزيع وعرض هذه الأعمال الدرامية العراقية المشتركة وأمثالها في القنوات العربية. ولاسيما المصرية والسورية والخليجية منها، بما يحقق استمرار هذه التجارب والتصاعد في وتيرة إنتاجها. وأقترحُ على جهات الإنتاج الدرامي والقنوات الفضائية أن تدرس هذه التجارب الدرامية من حيث الجدوى الإنتاجية والأهمية الفنية، وأن تنظر إليها بعين الاعتبار، وأن تحرص على تبنّي توجهاتها، والتأكيد على المواصفات الفنية والدرامية الواجب توفرها في تلك الإنتاجات، من أجل ضمان نجاحها واستمرارها، وبما يساعد على فتح نافذة جديدة للإنتاج الدرامي العراقي، ولاسيّما بعد الغزارة الإنتاجية الدرامية التي شهدتها الدراما العراقية في السنوات الأخيرة.