100%
حليم سلمان
لم تهدأ وسائل الإعلام العراقية والعربية من تداول التصريحات المتضاربة حول عائدية خور عبد الله، وقرار المحكمة الاتحادية، وموقف الرئاسات، وقرارات الأمم المتحدة السابقة، حتى رسا مصير الخور على ضفاف مجلس النواب العراقي، بعد رحلة طويلة من الجدل والعواصف.
في المقابل، فإن مشروع ميناء الفاو الكبير، يمنحنا شعورًا متجددًا بالأمل والتفاؤل، باعتباره خطوة ستراتيجية نحو استعادة الدور الريادي للعراق على الساحة البحرية الإقليمية والدولية. فهذا المشروع الحيوي يشهد تطورًا ملحوظًا ومتسارعًا في مختلف مكوناته الأساسية، من أرصفة وممرات ملاحية وخدمات لوجستية، ما يعكس جدية العمل والرؤية الطموحة للمستقبل.
يُضاف إلى ذلك، أن الجهات المعنية قد بدأت بالفعل بالتحضير لعرض ملف تشغيل هذا الميناء الحيوي أمام 11 شركة عالمية متخصصة، في خطوة تهدف إلى ضمان إدارة وتشغيل المشروع بأعلى المعايير الدولية، وتحقيق أكبر قدر من الفائدة الاقتصادية والستراتيجية للعراق والمنطقة. وفي خضم الجدل الإعلامي والضجيج السياسي، اللذين أثارتهما قضية الممر المائي خور عبد الله، وما رافقهما من تصعيد في الخطاب، وتضليل في بعض الأحيان، غاب عن المشهد التركيز الحقيقي على ما يُعد من أكبر المشاريع الستراتيجية التي تشهدها البلاد منذ عقود، المتمثل في مشروع ميناء الفاو الكبير وطريق التنمية.
وزارة النقل العراقية تبشّر بأن نسبة الإنجاز في القناة الملاحية قد بلغت 92 %، في حين وصلت الأعمال في ساحة الحاويات إلى ما يقارب الـ 94%، بينما اكتمل تنفيذ الطريق الرابط بين الميناء والطريق الدولي بنسبة 100 %، ما يُعد خطوة نوعية نحو إتمام البنية التحتية المتكاملة لهذا المشروع الوطني.
ومع ذلك، فإن تركيز ماكنة الإعلام، وتحركات بعض الأفراد على ملف خور عبد الله، رغم أهميته، أدى إلى تراجع الاهتمام الشعبي والإعلامي بمشروع ميناء الفاو وطريق التنمية، وهو ما يشكّل خللًا في ترتيب الأولويات الوطنية. فهذا المشروع لا يقتصر على إنشاء ميناء حديث فحسب، بل يتضمّن رؤية شاملة لربط الميناء، الواقع على السواحل الجنوبية للعراق، بحدوده الشمالية مع تركيا، بما يضع العراق على خريطة التجارة الدولية كممر اقتصادي حيوي يربط الخليج العربي بأوربا. إن هذا التحول النوعي يحمل في طياته إمكانات هائلة لإعادة هيكلة الاقتصاد العراقي، وتنويع مصادر الدخل، وخلق فرص عمل مستدامة.
ومن هنا، فإن الواجب الوطني والإعلامي يقتضي توجيه الضوء والجهود نحو دعم هذا المشروع الستراتيجي، باعتباره أحد المفاتيح الأساسية للنهوض بالعراق في المرحلة المقبلة.
* قد يتساءل الكثير من المواطنين: هل هناك علاقة جغرافية أو اقتصادية أو ستراتيجية بين خور عبد الله وميناء الفاو الكبير؟
ولغرض التوضيح نقول؛ نعم، هناك ارتباط وثيق ومباشر بينهما، لا يمكن التغاضي عنه.
فـخور عبد الله يُشكّل المنفذ البحري الوحيد لميناء الفاو، الواقع في الطرف الجنوبي لشبه جزيرة الفاو عند مدخل الخليج العربي. وبطبيعة الحال، فإن حركة دخول وخروج السفن من وإلى الميناء تعتمد بشكل مباشر وأساسي على هذا الممر.
وقد أكدت الاتفاقيات الموقعة بين الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 2003 مع الجانب الكويتي، أن حرية الملاحة في خور عبد الله مكفولة للطرفين، وأن السيادة على هذا الممر الحيوي تُمارس بشكل مشترك، بوصفه الطريق البحري الوحيد الذي يربط الميناء العراقي بالمياه الدولية. ولأن خور عبد الله يمثل "الرئة البحرية" لميناء الفاو الكبير، فإن من واجبنا الوطني أن ندعم الجهود الحكومية الرامية إلى صيانة حقوق العراق فيه، عبر الطرق القانونية والدبلوماسية، والالتزام بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، بعيدًا عن التصعيد الإعلامي والمواقف الانفعالية التي لا تخدم المصالح الوطنية، بل تُضعف من فرص التفاهم والحلول الواقعية. التجارب السابقة أثبتت أن الضجيج الإعلامي يؤدي إلى إضاعة الفرص وتعقيد المشهد، في حين أن العمل الهادئ القائم على الحكمة والوضوح هو الطريق الأمثل للحفاظ على الحقوق وتحقيق المكاسب الستراتيجية.
