ريا عاصي
علي كريم عبيد، المخرج وكاتب السيناريو، وُلد في بغداد عام 1984، حيث نشأ في بيئة ثرية ثقافيًا وفنيًا، ما رسخ في داخله حب الفن والسينما منذ نعومة أظافره. هذا الشغف دفعه لاختيار الإخراج المسرحي كمجال دراسي في أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد، حيث تخرج عام 2011 وهو يحمل رؤية واضحة لمستقبله الفني، ورغبة في نقل القصص العراقية إلى العالم.
لم يكتف علي كريم بالدراسة المحلية، بل سعى لتوسيع آفاقه واكتساب خبرات دولية، فحصل على منحة DAAD الألمانية، التي مكنته من متابعة دراساته العليا في ألمانيا. في عام 2016، نال درجة الماجستير في معهد الدراسات المسرحية التطبيقية بجامعة غيسن الألمانية، بتخصص (الكوريغرافيا والأداء)، ما أضاف بعدًا فنيًا جديدًا لأعماله السينمائية، مكنه من الجمع بين الإبداع البصري وفهم الحركة الجسدية وأثرها على السرد السينمائي.
مسيرته العملية بدأت بفيلم (حسن في بلاد العجائب)، الذي شكل نقلة نوعية في حياته المهنية. هذا العمل القصير لاقى اهتمامًا واسعًا على مستوى العالم، إذ شارك في 45 مهرجانًا دوليًا ونال 7 جوائز بارزة، من بينها جائزة منظمة العفو الدولية لأفضل فيلم قصير في مهرجان أنكونا الإيطالي، وجائزة فان كوغ لأفضل فيلم عائلي في مهرجان أمستردام الدولي.
كان هذا النجاح المبكر دافعًا قويًا لعلي للاستمرار في صناعة أفلام تحمل رسائل إنسانية واجتماعية قوية، وتضع السينما العراقية في مكانة مميزة على الساحة العالمية. بعد ذلك، أخرج فيلمه القصير الثاني (إبراهام)، الذي استمر في تحقيق النجاحات، وشارك في العديد من المهرجانات الدولية، وحاز جائزة لجنة التحكيم في مهرجان الأديان والناس في تيري الإيطالية، ما عزز مكانته كمخرج قادر على جذب انتباه النقاد والجمهور على حد سواء.
إلى جانب إخراجه الأفلام، يشغل علي كريم -حاليًا- مناصب مهمة عدة في المجال السينمائي، فهو مستشار سينمائي في عدد من المهرجانات الدولية، وعضو لجنة اختيار الأفلام بمهرجان الفيلم العربي في سان فرانسيسكو، كما شارك كعضو لجنة تحكيم في مهرجان السليمانية الدولي، وفي مهرجان أتلانتا السينمائي بالولايات المتحدة عن فئة الأفلام الطويلة.
هذه المشاركات تعكس مدى احترام المجتمع السينمائي الدولي لموهبته ورؤيته الفنية الفريدة.
حاليًا، يعمل علي كريم على مشروعه الأكبر، فيلمه الروائي الطويل الأول (المترجم العربي)، الذي يتناول قصة شاب عراقي يعيش بين العراق وألمانيا، ويستعرض الصراعات الداخلية والخارجية التي يعيشها الإنسان العراقي، مركّزًا على التجربة الإنسانية بعمق وصدق.
رحلة علي كريم عبيد تمثل نموذجًا للإصرار والشغف والإبداع، وتؤكد أن السينما العراقية قادرة على الوصول إلى العالمية، وأن الموهبة العراقية يمكن أن تترك بصمة فنية مؤثرة على الساحة الدولية. من بغداد إلى مهرجانات أوربا وأميركا، استطاع علي أن يثبت أن الإبداع والجدية في العمل هما المفتاح للنجاح، وأن الفن يمكن أن يكون جسرًا حقيقيًا بين الثقافات، حاملًا رسائل إنسانية، وصورًا حية للعراق وشعبه.