الفطرة بين الوراثة والاختيار

اعمدة

الفطرة بين الوراثة والاختيار
100%

محمد عبد الجبار الشبوط

منذ أن بدأ الإنسان يسأل: "من أنا؟" بدأ يبحث عن معنى هويته في أبعاد متشابكة: الوراثة، البيئة، التجربة، الإرادة. وفي عصر العلوم الحديثة، طغى الخطاب البيولوجي: الإنسان هو ما ترثه جيناته. وفي الخطاب الديني التقليدي، طغى الحُكم الأخلاقي الجامد: الإنسان مسؤول بالكامل عمّا يفعل. لكن كلا المنظورين، رغم صدقه الجزئي، يظل قاصرًا عن الإمساك بجوهر الإنسان الكامل. في مشروع الدولة الحضارية الحديثة، وبالاستناد إلى القرآن الكريم والفهم العلمي المعاصر، نعيد طرح السؤال: هل الفطرة أمرٌ مفروض بالوراثة؟ أم خيار واعٍ يُفعّل بالتربية والسعي؟ الجواب ليس "إما أو"، بل هو تفاعل بين الاثنين. القرآن يقرر بوضوح: "فطرة الله التي فطر الناس عليها." (الروم: 30) الفطرة هنا ليست مجرّد ميل أو شعور، بل برمجة وجودية غُرست في أصل تكوين الإنسان، قبل أن يعي، وقبل أن يختار. وفي موضع آخر: "ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها." (الشمس: 7-8) هذا الإلهام الداخلي يُعبّر عن قابلية الإنسان للخير والشر، لا كبرمجة قسرية، بل كنقطة انطلاق للاختيار. علم النفس التطوري يُقرّ بأن الإنسان يرث أنماطًا سلوكية متأصلة عبر ملايين السنين، لكنها ليست حتمية؛ بل تتفاعل مع المحيط، والوعي، والتربية، ليُعاد تشكيلها. وهكذا، الفطرة هي البداية، لا النهاية. هي الإمكانية، لا الجبر. في ضوء هذا، يمكننا القول إن هوية الإنسان الحضاري تتأسس على ثلاث دوائر مترابطة: الوراثة البيولوجية: ما نُولد به من صفات جسدية وعصبية وسلوكية. الفطرة الإلهية: البرمجة الأخلاقية-الروحية التي توجهنا نحو القيم. الاختيار الواعي: القدرة على تفعيل أو تعطيل الفطرة، من خلال المعرفة والتربية والموقف. في المجتمعات التي تُهمّش فيها الفطرة، وتُسحق حرية الاختيار، وتُحوّل الإنسان إلى رقم في آلة، تضيع الهوية. أما في الدولة الحضارية الحديثة، فإن الإنسان يُربّى على إدراك فطرته، وفهم وراثته، وتفعيل اختياره في ضوء منظومة قيمية عليا، تجعل منه كائنًا مسؤولًا، لا ضحية ولا آلة. وهذا الفهم المركب يعكس جوهر النظرة القرآنية للإنسان: "إنا هديناه السبيل إما شاكرًا وإما كفورًا." (الإنسان: 3) إذ لا فطرة بلا هدى، ولا وراثة بلا وعي، ولا هوية بلا مسؤولية.

إقــــرأ المــــزيــــــــد

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال
تحقيقات

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي
تحقيقات

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي

حياة بلا تواصل اجتماعي..  هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟
تحقيقات

حياة بلا تواصل اجتماعي.. هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟
تحقيقات

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي
تحقيقات

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"
تحقيقات

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"

أبرز الأخبار

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

قصة إعدام الفنان صباح السهل

قصة إعدام الفنان صباح السهل

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج