علي كريم إذهيب /
تشهد المشاركة الاقتصادية للمرأة في العراق تفاوتًا كبيرًا مقارنة بالرجل، سواء من حيث نسب الانخراط في سوق العمل أو نوعية القطاعات التي تعمل فيها. وتشير إحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء ووزارة التخطيط إلى أن نسبة مشاركة النساء في القوى العاملة لا تتجاوز 13 %، مقابل أكثر من 70 % للرجال، ما يعكس فجوة واضحة في التمكين الاقتصادي. تركز النساء في العراق على القطاعات التعليمية والصحية، إلى جانب الأعمال الحرفية الصغيرة والمشاريع المنزلية، في حين يهيمن الرجال على القطاعات الصناعية، والنفطية، والهندسية، بالإضافة إلى المناصب العليا في المؤسسات. يعود هذا التفاوت إلى عوامل عدة، أبرزها التقاليد الاجتماعية، وضعف فرص التدريب المهني، وغياب بيئة عمل داعمة، خصوصًا في القطاعات التي تتطلب عملًا ميدانيًا أو تنقلًا. وبرغم هذه التحديات، يشهد العراق مؤخرًا جهودًا متزايدة لتمكين النساء اقتصاديًا، من خلال دعم المشاريع الصغيرة، وتمويل رائدات الأعمال، وتشجيع النساء على دخول مجالات جديدة كالتكنولوجيا والاقتصاد الرقمي، إلا أن هذه المبادرات لا تزال محدودة التأثير، ولم تحقق بعد تحولًا جوهريًا في بنية الاقتصاد العراقي. تحديات متجذرة ترى عضو البرلمان زينب جمعة الموسوي أن الفجوة الاقتصادية بين الجنسين ليست مجرد أرقام جامدة، بل انعكاس حقيقي لتحديات اجتماعية وثقافية واقتصادية متجذرة، وفي حديث لها مع "الشبكة العراقية" قالت: "المرأة العراقية تمتلك العزيمة والكفاءة لتغيير واقع الاقتصاد، لكن مشاركتها في قطاعات حيوية كالنفط والطاقة ما تزال محدودة جدًا." تشير الموسوي إلى أن حضور النساء في التعليم والرعاية الصحية أمر إيجابي، لكنه يعكس أيضًا تركيزًا نمطيًا لمشاركة المرأة بعيدًا عن القطاعات الاستراتيجية التي تدير العجلة الاقتصادية فعليًا، كما تؤكد أنها التقت بنساء يملكن مشاريع واعدة، لكنهن يواجهن صعوبات في التمويل، وعدم توفر البيئة القانونية والتنظيمية التي تسهّل لهن الانخراط في السوق. وتدعو البرلمانية إلى تحوّل حقيقي من خلال ثلاثة محاور رئيسة: - تشريعات تحفيزية لرائدات الأعمال، تمنح إعفاءات ضريبية، وضمانات قروض، وتسهّل تأسيس الشركات بعيدًا عن الروتين. - بيئة عمل مرنة تدعم خيارات، مثل العمل عن بُعد، والحضانات داخل أماكن العمل، والدوام الجزئي، بما يعزز بقاء المرأة في السوق. - تغيير ثقافي وإعلامي يبرز صورة المرأة القائدة والمنتجة، ويعزز الوعي بدورها الاقتصادي بدءًا من المناهج الدراسية. وتختم الموسوي بالقول إن المطلوب ليس "مساواة شكلية"، بل شراكة اقتصادية حقيقية، محذرة من أن تهميش المرأة يعني أن العراق يخسر نصف طاقته الإنتاجية. مؤهلات عالية من جهتها، تؤكد الدكتورة زينب الخفاجي، أستاذة وباحثة في قضايا التنمية، أن إقصاء المرأة عن سوق العمل يعني فقدان طاقة بشرية قادرة على النهوض بالاقتصاد. وتشير إلى أن "نسبة مشاركة المرأة لا تتعدى 12 %، في وقت يعاني فيه العراق من بطالة عالية وتراجع مستمر في التنويع الاقتصادي." تضيف الخفاجي: "حين نتحدث عن مشاركة المرأة، نحن لا ندعو إلى المساواة من باب العدالة فقط، بل من باب الفعالية الاقتصادية أيضًا. الدول التي دمجت النساء في اقتصادها حققت قفزات في الناتج المحلي، وخفضت الاعتماد على موارد تقليدية مثل النفط." وتلفت إلى أن "رفع مشاركة النساء إلى 30 %، كما تشير تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يمكن أن يضيف ما لا يقل عن 15 مليار دولار سنويًا للناتج المحلي الإجمالي في العراق.." وتبين: أن "النساء العراقيات يمتلكن مؤهلات عالية في مجالات حيوية، كالهندسة، والطب، والتعليم، والتكنولوجيا، لكن غياب الفرص الحقيقية يتركهن على الهامش." تشير الخفاجي أيضًا إلى أن الاقتصاد لا يمكن له النهوض إن استمر بإقصاء نصف موارده البشرية. مؤكدة أن "الكثير من النساء يعملن في الظل، من خلال مشاريع منزلية، أو إنتاج حرفي، أو الزراعة الصغيرة، ويشكلن بذلك اقتصادًا رديفًا غير مرئي في الحسابات الرسمية." وترى أن التحديات التي تواجه المرأة ليست فقط اقتصادية، بل ثقافية وتشريعية أيضًا. موضحة: أن "الكثير من أرباب العمل يفضلون توظيف الرجال، لأسباب تتعلق بالتحيّزات الثقافية، أو الخوف من التزامات الأمومة، في ظل غياب منظومة تشريعية تحمي حقوق المرأة." لذلك، تدعو إلى رؤية اقتصادية جديدة تتضمن: - تشريعات تضمن حق المرأة في العمل دون تمييز. - دعم فعلي للأمهات من خلال حضانات في مواقع العمل وإجازات أمومة عادلة. - تمويل مستدام لمشاريع النساء في المدن والأرياف. - خطاب إعلامي يعكس قيمة العمل النسوي، ويكسر الصور النمطية التي تهمّش النساء. وتختم بالقول: "المرأة ليست عبئًا، بل فرصة اقتصادية مهدورة، العراق لن ينهض اقتصاديًا إن استمر بتجاهل نصف قواه العاملة، حان الوقت لأن نرى عمل المرأة كرافعة للنمو الوطني لا كقضية جانبية." إن الإنصاف الاقتصادي للمرأة العراقية لم يعد رفاهية أو ترفًا اجتماعيًا، بل ضرورة استراتيجية تمس جوهر بناء الدولة الحديثة، وترتبط ارتباطًا مباشرًا بمستقبل التنمية والاستقرار في البلاد.