بغداد: مصطفى ناجي /
يعد تحسين العلاقة بين التعليم وسوق العمل في العراق أمرًا ضروريًا لتحقيق نمو اقتصادي مستدام من خلال تطوير المناهج الدراسية، وتعزيز التعليم المهني، وتوفير فرص تدريب عملي، بما يتيح تقليل معدلات البطالة وزيادة فرص العمل أمام الخريجين. لكن سوق العمل العراقية تواجه تحديات كبيرة تتعلق بمواءمة مخرجات التعليم مع احتياجات السوق. على الرغم من وجود عدد كبير من الخريجين سنويًا، إلا أن هناك فجوة واضحة بين المهارات التي يكتسبها الطلاب خلال دراستهم وبين المهارات المطلوبة في سوق العمل، وهذه الفجوة تؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة، خاصة بين الشباب، وتحد من قدرة اقتصاد البلد على النمو والتطور. احتياجات السوق يقول الأكاديمي الاقتصادي الدكتور حكيم محمود فليح: "يعتمد الاقتصاد العراقي بشكل كبير على قطاع النفط، ما يجعل سوق العمل غير متنوع ويحد من فرص العمل في القطاعات الأخرى مثل الصناعة والزراعة والتكنولوجيا والسياحة." وأضاف فليح في حديثه لـ "الشبكة العراقية" "وفقًا لبعض الدراسات، فإن نسبة البطالة بين الشباب العراقي مرتفعة، ويرجع ذلك إلى عوامل عدة، منها عدم توافق المهارات المكتسبة مع احتياجات السوق، حيث تركز المناهج الدراسية على الجوانب النظرية أكثر من التطبيقية، إلى جانب ضعف الاستثمار في القطاعات غير النفطية، ما يقلل من فرص العمل المتاحة، فضلًا عن غياب برامج تدريبية فاعلة تساعد الخريجين على اكتساب المهارات المطلوبة لسوق العمل." نقص التنسيق بدوره، قال الباحث الاقتصادي الدكتور مصطفى الصميدعي: إن "النظام التعليمي في العراق يعاني من مشكلات متعددة تؤثر في جودة مخرجاته ومدى توافقها مع احتياجات سوق العمل." وأوضح في حديث لـ "الشبكة العراقية": "لعل أبرز المشكلات تتمثل بالتركيز على التعليم الأكاديمي التقليدي، دون الاهتمام بالتعليم المهني والتقني، ما يؤدي إلى تخريج أعداد كبيرة من الطلاب دون مهارات عملية، يضاف إليها نقص التنسيق بين المؤسسات التعليمية وسوق العمل، حيث لا توجد آليات واضحة لتحديد احتياجات السوق وتحديث المناهج الدراسية وفقًا لها." تحديات متعددة من جهتها، ترى التدريسية في كلية الإدارة والاقتصاد / جامعة بغداد، الدكتورة أسرار عبد الزهرة علي: أن "مواءمة متطلبات سوق العمل ومخرجات التعليم تعد من التحديات الكبيرة والمهمة في العديد من الدول عامة، والدول النامية خاصة، حيث النظم التعليمية تسعى جاهدة إلى تزويد الطلاب بالمهارات والمعارف اللازمة لأجل تلبية احتياجات سوق العمل المتغيرة والمتطلبات الصناعية الحديثة." وتضيف علي في حديثها لـ "الشبكة العراقية": "مع هذا، تواجه هذه العملية تحديات متعددة ومتنوعة، تشمل الفجوة بين المهارات التي يكتسبها الطلاب والمتطلبات الفعلية لسوق العمل، وكذلك نقص التأهيل العملي، إضافة الى التغيير السريع في التكنولوجيا والتطور الصناعي." وبينت "إذا ما شخصنا التحديات، سنتمكن من اقتراح الحلول المتاحة لتعزيز التوافق بين التعليم وسوق العمل، بما يسهم في تحسين فرص العمل للخريجين وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية." وتابعت: أن التحديات تتمثل في "الفجوة بين التعليم وسوق العمل، وعدم توافق المهارات التي يكتسبها الطلاب مع متطلبات سوق العمل، إلى جانب نقص المهارات العملية، وتركيز التعليم على الجانب النظري أكثر من العملي، فضلًا عن أن التغير السريع في سوق العمل في مجالي التكنولوجيا والصناعة يلقي بصعوبة واضحة على التعليم لمواكبة هذه التغيرات." مشيرة إلى "نقص تأهيل الطلاب لمواجهة تحديات سوق العمل، والاهتمام بالشهادات أكثر من اكتساب المهارات العملية." حلول ومقترحات من جهته، أكد الأكاديمي الاقتصادي الدكتور حسام علي محيبس: "لتحقيق توافق أفضل بين مخرجات التعليم وسوق العمل، يمكن اتخاذ خطوات عدة، منها إصلاح المناهج الدراسية بحيث تتضمن مهارات عملية وتقنية تتناسب مع احتياجات السوق، فضلًا عن تعزيز التعليم المهني والتقني ليكون خيارًا جذابًا للطلاب، ما يساعد في توفير كوادر مؤهلة للعمل في مختلف القطاعات، إلى جانب إنشاء شراكات بين الجامعات والشركات المحلية والاستثمارية لتوفير فرص تدريب عملي للطلاب قبل التخرج." وأشار محيبس، في حديثه لـ "الشبكة العراقية"، إلى أن ذلك "سيشجع ريادة الأعمال من خلال دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ما يسهم في إيجاد فرص عمل جديدة." مؤكداً "ضرورة توفير فرص للتدريب العملي للطلبة في بيئات العمل الفعلية، فضلًا عن تطوير مهارات الكوادر التعليمية والتدريسية و(المدربين الصناعيين)، حيث أن تطوير هذه المهارات في المراحل الجامعية يتيح لهم تقديم تعليم عصري متوافق مع متطلبات سوق العمل، فضلًا عن التركيز على المهارات الحياتية، مثل التفكير النقدي، والعمل الجماعي." ورأى محيبس أن "تنفيذ الحلول المقترحة من شأنه أن يحقق 5 فوائد للاقتصاد العراقي، تتمثل بـتحسين فرص العمل للطلاب بعد التخرج، وتطوير مهاراتهم العملية والنظرية، وتعزيز الاقتصاد من خلال توفير قوة عمل مؤهلة ومتوافقة مع متطلبات سوق العمل، وتحسين جودة التعليم من خلال مواءمة المخرجات مع متطلبات ميادين العمل، وتعزيز التنمية المستدامة من خلال توفير قوة عمل قادرة على التكيف مع التغيرات في سوق العمل."