لها مرجعيات ثقافية وتاريخية وحضارية كيف يمكننا رسم رموز مدننا؟

تحقيقات

لها مرجعيات ثقافية وتاريخية وحضارية  كيف يمكننا رسم رموز مدننا؟
100%
صفاء ذياب ما زالت مدننا العراقية تتشكّل كلَّ يوم بشكل جديد على الرغم من عمر بعضها الذي يصل لآلاف السنين، غير أنَّنا لا نرى ما يوازي هذا التاريخ، والمرجعيات الحضارية والثقافية، ماثلاً في الهويات الثقافية التي يمكن تصديرها من خلال الرموز الخاصة بكلِّ مدينة، التي يمكن أن توضع في شعاراتها أو تشكيل أعلام خاصة لها، أو في خطاباتها الرسمية، أو المهرجانات أو الفعاليات الحكومية. في المدن الأوربية، على سبيل المثال، نرى أنَّ لكلِّ مدينة رمزًا خاصًا بها، فأوّل ما تدخل إلى مدينة أوسلو، العاصمة النرويجية، على سبيل المثال، تواجهك ساحة كبيرة وضِع في وسطها نصب كبير لـ(نمر) كرمز للمدينة، وهو يعبّر عن القوّة والهيمنة التي سعت أوسلو عبر تاريخها لفرضها على الغرب الأوربي. غير أنَّنا، في العراق، نملك من الرموز ما لا يعدُّ ولا يحصى، ومع هذا لم نفكّر أن نضع لكلِّ مدينة رمزًا يمثّلها، فبمجرّد أن تضع على كتاب رسمي زقورة أور، على سبيل المثال، لا يمكن أن تأتي على بالك سوى مدينة الناصرية، وإذا وضعنا الملوية، حتماً ستكون سامراء، ولا نتخيّل أنَّ مدينة تحمل البرتقال غير بعقوبة وبهرز.. هذه أمثلة بسيطة ومفتوحة للنقاش، وربَّما يبرز رأي يقنعنا بأنَّ هناك رموزًا غير ظاهرة في مدننا، لكنَّها تمثّلها خير تمثيل. فكيف يمكننا رسم رموز لمدننا تكون علامة فارقة لكلِّ مدينة في الكتب الرسمية والخطابات الخاصة بها. خصوصيات تاريخية يبيّن الكاتب نزار الراوي أنَّ المدن العراقية تمتلك خصوصياتٍ تاريخية وعُمرانية وثقافية وبيئية هائلة التنوّع والغنى، وهذه الخصوصيات بتعدّد مرجعياتها وطبائعها نعدّها في علم الإشارة مصدرًا عظيمًا لاستلال الرموز والعلامات، ما يعني أنَّنا إذ نفتح هذا الباب فإنَّنا نضع أنفسنا أمام خيارات لا حصر لها من الأشكال القابلة للتطوير التصميمي، "يبقى أن نختبر التقبّل الجماهيري والمعقولية الثقافية لدلالات الرمز وإيحاءاته المباشرة والثانوية، ومدى انفتاحه على التأويل الأنسب، ومن ثمَّ نجري عليه عمليات الإنتاج الفني لتحويلة إلى رمز يُعتدُّ به من قبل الناس ويحوز إعجابهم وتعاطفهم، فيستقرُّ شيئاً فشيئاً في ضميرهم الجمعي." في حين كان التنوّع الثقافي والاجتماعي الذي تمتلكه المدن العراقية، حسب رأي الراوي، واحدًا من أهم المصادر للرموز الشكلية، التي قد يصلح الكثير منها للعمل عليه كمادة أوّلية لاشتقاق العلامة أو الرمز، وينفتح هذا المصدر على اختلاف الانتماءات الدينية والعرقية والمذهبية للكتل البشرية التي تسكن تلك المدن، كذلك يعتمد كثيرًا على الأساليب والأنماط المعيشية وأهم الأنشطة الاقتصادية التي يمارسونها، وما تلقي به هذه الأنشطة وتلك الانتماءات من ظلال واضحة على أدوات ومعدّات العمل والأزياء وبعض الحاجات الكماليات التي ينتشر استعمالها في تلك المدن. الرؤى الجمعية يطرح الشاعر والباحث في التاريخ السياسي قحطان جاسم رأيه في أنَّ تاريخ المدن يتشكّل عبر الناس، والأماكن، والطبيعة، أو الاحداث. ويتحوّل هذا التاريخ إلى علامات ورموز تميّز بعضها عن بعض، أو تخلق مشتركات فيما بينها، بحيث تكون هذه الرموز والعلامات جزءًا عضويًا ممَّا يسمّيه عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو "الرأسمال الرمزي والثقافي"، وعنصرًا مهمًّا في مكوّنات الهوية والمخيال الجماعي، وحاملًا ثقافيًا للذاكرة الشعبية. كاشفاً: "تجربتي مع المدن تمتاز بخصوصيتها، فقد قضيت طفولتي وشبابي في بغداد، لكنَّني سكنت وعشت في مدن أخرى. وفي ضوء ذلك يمكنني القول إنَّ علامة بغداد ورمزها الدال هي ساحة التحرير ونصب الحرية لجواد سليم، ومقاهيها الثقافية: البرلمان، أبو سعد، حسن عجمي، وغيرها.. أمَّا في مدينة الحلّة فإن هناك مقهى (أبو سراج)، الذي يرتبط بذكريات مع العديد من أدبائها وفنّانيها، فقد كان حاضنة لتلاقح المفاهيم والتجارب.. وحين تذكر مدينة الديوانية، فلا يمكن تغافل سوقها المسقوف.. أمَّا السماوة فيمكنني ذكر (قطار الموت) عام 1963، وثورة العشرين في الرميثة، وانتشار الشعر الدارمي في أريافها. وعند الاشارة إلى الناصرية، فالشاعر الحبوبي والشارع المسمّى باسمه هما أوّل ما يتبادر إلى الذهن." وهناك أيضًا أماكن لها علاماتها السلبية، كسجن أبو غريب في أبو غريب، ونقرة السلمان في السماوة. الرواية بوصفها مكانا وبحسب الناقد الدكتور عقيل عبد الحسين فإن بإمكاننا بناء نظام علاماتي في العراق من خلال قراءتنا للرواية العراقية، موضّحًا أنَّ المدينة العراقية تعاني من انمحاء ملامح الهوية الأصلية للمكان، ربَّما بسبب طبيعة العراق، ولذا فهي مدينة بلا شواهد. وهذا يعني أنَّها تعتمد على الكتابة، وعلى المثقفين والأدباء. وهؤلاء في الغالب ينتمون ثقافيًا إلى مدن الجذب، تلك التي تحتفظ بملامحها القديمة، كالقاهرة، وتمتلك عدداً من الكتّاب الذين يكتبون عنها، ويستوحون شواهدها في تشييد ذاكرة أدبية وثقافية مؤثّرة. كاشفاً أنَّ أكثر الكتاب يلجأون- وتحديداً كتًاب الرواية، وهو الفن الأدبي الأكثر قدرة على تمثّل المكان، وتمثيله، أو الإحاطة به، والاستفادة منه فنّيًا ودلاليًا وثقافيًا- إلى الأحداث، ولاسيّما مع الموجة الروائية التي اتسعت في العقد الأول من القرن العشرين، مستغلّين ما تعرّض له العراق والمدينة العراقية من أحداث سياسية تركت أثرًا على التركيبة الثقافية والاجتماعية العراقية، مضحّين بالمكان في الغالب، محوّلينه إلى مكان افتراضي. فقلَّ أن تجد للمكان أثرًا، أو حضورًا فعليًا، في روايات على بدر، وكذلك عند روائيين آخرين، كإنعام كجه جي وبتول الخضيري، وصولًا الى سنان انطوان.. وجميعهم يناقشون الحدث ثقافيًا أو إنسانيًا. و "مع هذه الموجة، أستطيع أن أضيف أنَّ معظم النتاج الروائي صار يكتب من المنفى. والمنفى أصلًا علاقة شاحبة بالمكان، وفي أفضل الأحوال عاطفية." ويؤكد عبد الحسين أنَّ بناء نظام علاماتي خاص بالمدن العراقية، مهمّة الكتّاب، ولاسيّما الروائيين والمفكّرين، وعلى هؤلاء أن يعتمدوا على قدراتهم الصوغية في إقامة ذاكرة تجمع بين الاختلاق والاستفادة من كتب التاريخ والتراث والرحلات، كما فعل -مثلًا- محمد خضير في كتابه عن البصرة. وفي المدى المنظور، لا يرى عبد الحسين مثل هذا الأمر ممكنًا في ضوء انشغال الثقافة والأدب العراقيين بالراهن، وفي ظلِّ طغيان السؤال عن هوية الإنسان في العراق. وهو سؤال، كما يبدو، أكثر إلحاحًا على العقل العراقي الآن من أيّة أسئلة أخرى مهما كانت مهمّة. ومنها هوية المكان!

إقــــرأ المــــزيــــــــد

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال
تحقيقات

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي
تحقيقات

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي

حياة بلا تواصل اجتماعي..  هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟
تحقيقات

حياة بلا تواصل اجتماعي.. هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟
تحقيقات

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي
تحقيقات

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"
تحقيقات

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"

أبرز الأخبار

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

قصة إعدام الفنان صباح السهل

قصة إعدام الفنان صباح السهل

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج