100%
السليمانية/ خالد فرج الله
بين كثبان الزمن وتراث الأجداد، تقف (قلعة زلم) كأنها تحرس ذاكرة المكان وتُرتّل صمت القرون على جدرانها. ليست هذه القلعة مجرّد أحجار مرصوصة، بل سجلّ مفتوح لحكايات شعوبٍ تعاقبت على أرضها، وخلّفت بصماتها محفورةً في صخورها العتيقة. هنا، تمتزج روح التاريخ بعراقة العمارة الكردية القديمة، لتمنح الزائر تجربة فريدة تأخذه في رحلة بين الماضي والحاضر.
تقع قلعة زلم بين قرية أحمد آوه وقرية زلم، على بعد نحو 75 كيلومتراً من مدينة السليمانية، وقرابة 17 كيلومتراً من مدينة حلبچة، و5 كيلومترات من قضاء خورمال، ولا تبعد عن مصيف أحمد آوه الشهير سوى 500 متر، ما يجعل موقعها مثاليًا لدمج الزيارة بين الطبيعة والتراث.
قلعة خان
الدكتور شوان محمد، أستاذ الآثار في جامعة السليمانية، تحدث لـ "الشبكة العراقية" عن هذه القلعة قائلًا: "بالقرب من مصيف أحمد آوه، تقع واحدة من القلاع الأثرية المهمة في المنطقة، وهي قلعة زلم، المعروفة أيضًا باسم قلعة خان أحمد خان، نسبةً إلى الأمير أحمد خان الأردلاني، أحد أبرز حكّام الإمارة الأردلانية الذين كان لهم دور كبير في تلك المرحلة.
ويعود تاريخ بناء القلعة إلى فترة تأسيس الإمارة الأردلانية على يد بابا أردلان (أو بابا أردل)، الذي اختار هذا الموقع ليكون مقرًا عسكريًا وسكنًا له ولعائلته. لاحقًا، حكم القلعة أمراء آخرون من الأسرة الأردلانية، واتخذ خان أحمد خان منها مركزًا للحكم، وأصدر منها الفرمانات، وامتد نفوذه حتى مدينة كركوك، قبل أن يتوفى ويدفن في الموصل قرب مرقد النبي يونس عليه السلام."
عمارة وتحصين
وأضاف الدكتور شوان عن بنية القلعة: "تتميّز القلعة ببنيتها الدفاعية القوية، فجدرانها الصامدة تشهد على جودة البناء. إذ يبلغ عرض الجدران في بعض الاتجاهات مترًا ونصف المتر، وتصل أطوالها إلى ثلاثة أمتار، وقد استخدمت فيها مواد متينة لربط الأحجار. تنقسم القلعة إلى قسمين، ويمرّ جدول ماء صغير في داخلها، ما أضفى عليها طابعًا مميزًا من حيث التصميم الدفاعي والوظيفي، وما تزال نوافذها العسكرية قائمة حتى اليوم."
ويوضح: "على الرغم من قيمتها التاريخية والمعمارية، لم تحظَ القلعة بأية جهود للترميم أو الصيانة حتى الآن، مع أنها موضوعٌ لعدد من البحوث والدراسات الأكاديمية، سواء على مستوى الماجستير أو الدكتوراه، نظرًا لأهميتها في تاريخ الإمارة الأردلانية، وارتباطها بفترة انتقال الحكم من الأردلانيين إلى العثمانيين، وتحديدًا بين أعوام 1860 و1870."
سياحة وثقافة
الأستاذ علي بانيشاري، المختص في مجال الآثار، أشار إلى أن زيارة القلعة ما تزال مجانية، لكنها تتطلب جهدًا للوصول إليها، بسبب وعورة الطريق الذي جرى تمهيده جزئيًا قبل نحو خمس سنوات.
وأضاف: "على الزائر أن يصعد عددًا كبيرًا من السلالم للوصول إلى القلعة، لكن موقعها القريب من مصيف أحمد آوه يجعلها فرصة رائعة لدمج السياحة الطبيعية بالثقافية، إذ يمكن للزائر أن يقضي وقتًا ممتعًا بين أحضان الطبيعة والتاريخ في آن واحد."
شهادات علمية
الدكتور زريان حاجي، رئيس قسم الآثار في جامعة السليمانية، وصف القلعة بأنها "من أهم المعالم التاريخية في المنطقة." وأشار إلى ارتباطها بعهد أبرز شخصيات الإمارة الأردلانية. كما تحدّث المؤرخ العراقي الدكتور عماد عبد السلام رؤوف عن القلعة بوصفها قلعة عسكرية دفاعية، كانت تُعدّ من آخر القلاع المحصنة على حدود الدولة العثمانية. وأشار إلى "وجود نظريات تفترض أن القلعة قد تعود إلى العهد الساساني، أو حتى إلى فترات أقدم، ما يزيد من أهميتها وضرورة دراستها وترميمها."
قلعة زلم ليست مجرد مَعلَم مهجور، بل هي كنز أثري وسياحي ينتظر من يكتشفه ويستثمره، ومن الضروري تسليط الضوء على هذا الموقع الفريد، وإعادة إحيائه ليكون منارةً للتاريخ، وجزءًا فاعلًا في خريطة السياحة الثقافية في كردستان العراق.