مزاد البغدادي.. الاحتفاء بالهوية العراقية

تحقيقات

مزاد البغدادي.. الاحتفاء بالهوية العراقية
100%
ريا عاصي في بيتٍ فريد الطراز في حي الأعظمية ببغداد، تحيا واحدة من أندر التجارب الثقافية في العراق، (مزاد البغدادي)، حيث تُعرض وتُباع كتب نادرة، ومخطوطات، وخرائط، وتحف، وآثار محلية وإسلامية، وسجاد وفضيات، في قاعة مزادات لا تُشبه غيرها. هنا، تتقاطع الذاكرة العراقية مع شغف الجمع، ويستمر إرث رجلٍ اسمه طالب البغدادي. مؤسس المركز البغدادي (1937 - 2024) أكاديمي ومؤرخ عراقي، حاصل على الدكتوراه في الاقتصاد من فرنسا، درّس في جامعات عراقية وأوربية. في عام 1976، أُحيل إلى التقاعد بعد أن جرى توقيفه بسبب مناقشاته الجريئة لبعض طروحات النظام العراقي آنذاك. لكن تقاعده القسري لم يُخرجه من دائرة الشغف إذ كرّس حياته لجمع المخطوطات والكتب والتحف. أسس مع إخوته (الدار البغدادية للأنتيكات والفنون) في منطقة المنصور عام 1978، ثم أسس (المركز البغدادي لمزادات التحف والفنون) في الأعظمية عام 1988، ليكون أول مساحة مزاد ثقافي فني من نوعه في بغداد، يرتاده العراقيون والوافدون العرب والأجانب. المزاد الأول أصبح هذا المزاد ملتقى أسبوعيًا للمثقفين، والكتبيين، والهواة، وبِيعت فيه نوادر لا تُقدَّر بثمن. توقّف المزاد عام 2003 بسبب الحرب، لكنه عاد إلى الحياة في 2022 على يد أبنائه، الذين أعادوا فتح مكتبة والدهم الشخصية للعامة، وأعادوا تنظيم المزاد كفعالية أسبوعية. بيت البغدادي المنزل الذي يحتضن المزاد ليس بيتاً تراثياً، بل مبنى حديث صمّمه طالب البغدادي بنفسه، يضم مكتبة غنية، ومتحفًا صغيرًا للمخطوطات والنفائس، وقاعة خاصة للمزاد. يُمكن للزائر أن يرى النسخ الأولى من كتب نادرة، وخرائط عثمانية، ومراسلات أصلية تعود إلى القرنين التاسع عشر والعشرين. يُعد المعرض المقام في البيت فرصة للاطلاع على المكتبة الخاصة بالراحل طالب البغدادي، وقاعة لنوادر المخطوطات والأعمال الفنية العراقية والمنحوتات والمسكوكات التي جمعها الراحل طوال مسيرة حياته، وجناحًا مخصصًا لمزاد التحف والسجاد والفضة والأنتيكات النادرة. متحف في قطر بعد انتقاله إلى قطر في أواخر التسعينيات، أسهم الدكتور طالب البغدادي في تأسيس (متحف الشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني للفنون الإسلامية)، وأشرف على تصميم وتنظيم مجموعات الفن الإسلامي فيه. كما نظّم أول مزاد ثقافي في قطر عام 2012، وشارك بمعارض في (كتارا) والدوحة، جامعًا بين الشرق والغرب، بين الذاكرة والمنفى. فرصة الاطلاع يُقام مزاد البغدادي في بيت الأعظمية مرتين إلى ثلاث مرات شهريًا. قبل يومين من انطلاق المزاد، تُعرض القطع التحفية والكتب النادرة والمخطوطات أمام الجمهور، ما يتيح فرصة الاطلاع المبكر على كنوز بيوتات وعائلات بغدادية عريقة، تهب إرثها ليحيا من جديد في هذا اللقاء. لا يقتصر المزاد على الحضور فقط، بل أُطلق نظام بيع إلكتروني يتيح للمهتمين من خارج العراق، أو ممن لا يستطيعون الحضور، الاشتراك في المزاد عبر الإنترنت. وعند رسو المزاد على قطعة ما، يحصل المزايد على وصل رسمي يُخوّله خلال ثلاثة أيام دفع الثمن وتسلم القطعة، وإلا تعود القطعة إلى المزاد مرة أخرى. يضوع خلال جلسات المزاد عبق التراث وروح المجتمع البغدادي، حيث تُقدَّم خلال الفعالية مجموعة من المعجنات والمخبوزات العراقية الأصيلة، مثل الكليجة واللحم بعجين وزنود الست، وطبعًا يحضر الشاي والشاي الحامض، ويُدار على مدار الساعة. تشعرك هذه الأجواء أنك في مجلس قديم. يحضر جامعو السجاد والفضة الذين يتنافسون على القطع النادرة، وتعلو ضحكاتهم ونكاتهم، وتُروى قصص الأنتيكات والبيوت البغدادية التي تحكي تاريخ المدينة بحكايا الناس. هنا، لا يُباع مجرد أثر، بل تُعاد كتابة حكاية بغداد، وتُعاد الحياة إلى ذاكرة تتنفس عبر أصابع الناس الذين يقدّرون قيمة الشيء، ويُعيدون للتراث مكانته بين قلوب الأجيال. طبعات حجرية رواد المزاد اليوم مزيج من الكتبيين البغداديين، والأكاديميين، والفنانين، والمهتمين بالتاريخ. تُباع فيه كتب مثل (طبقات ابن سعد) بطبعات حجرية، وخرائط نادرة لبغداد في العهد العثماني، وساعات جيب ذهبية من القرن التاسع عشر. من أبرز ما بيع في الأعوام الأخيرة: طبعة نادرة من ديوان المتنبي صدرت في مصر عام 1900، ومخطوطة طبية من العصر العباسي، ومجموعة صور فوتوغرافية أصلية من بدايات القرن العشرين. توثيق الذاكرة لم يعد مزاد البغدادي مجرد فعالية ثقافية، بل تحوّل إلى مركز لتوثيق الذاكرة العراقية المادية. إنه المكان الذي يُعيد اكتشاف تاريخ العراق عبر موجوداته، حيث لا تكتمل الحكاية من دون رائحة الورق القديم وصوت المزايدات. إنه فعل مقاومة، واحتفاء بالهوية، واستمرار لرسالة رجل آمن بأن ما يُراد نسيانه، يجب أن يُعرض للبيع ليُشترى من جديد، ويُروى. توفي البغدادي عام 2024، واضعًا مكتبته الشخصية لتكون مكتبة عامة متاحة للطلبة والباحثين، فضلًا عن متحفه الشخصي الذي يضم مجموعة من القطع الإسلامية والتراثية، ليستمر البيت الذي شيده بيده شاهدًا على رسالته في حماية التراث وجمع الذاكرة.

إقــــرأ المــــزيــــــــد

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال
تحقيقات

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي
تحقيقات

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي

حياة بلا تواصل اجتماعي..  هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟
تحقيقات

حياة بلا تواصل اجتماعي.. هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟
تحقيقات

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي
تحقيقات

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"
تحقيقات

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"

أبرز الأخبار

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

قصة إعدام الفنان صباح السهل

قصة إعدام الفنان صباح السهل

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج