بغداد / الشبكة
تُعدّ انتخابات العراق 2025 محطة مفصلية في تاريخ البلاد الحديث، ليس فقط من الناحية السياسية، بل من حيث انعكاسها المباشر على الاقتصاد والاستثمار والتنمية. بعد عقدين من التحولات السياسية والتحديات الأمنية، يدخل العراق هذه الانتخابات محمّلًا بآمال كبيرة في تحقيق استقرار سياسي ينعكس على الوضع المعيشي، وتنشيط بيئة الاستثمار، واستمرار طرح المشروعات التنموية الكبرى ضمن رؤية العراق 2050 التي تستهدف تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط.
لكن السؤال الجوهري الذي يطرحه الشارع العراقي والمجتمع الدولي معًا هو: هل يمكن لنجاح العملية الانتخابية أن يكون نقطة انطلاق حقيقية لتحول اقتصادي وتنموي؟
أولًا: الثقة السياسية في التجارب الدولية، يُعتبر الاستقرار السياسي والانتقال السلس للسلطة شرطًا أساسيًا لجذب الاستثمار وتحفيز النمو. العراق، خلال السنوات الماضية، كان يعاني من دورات سياسية متوترة، وتأخر في تشكيل الحكومات، وصراعات حزبية عطلت الموازنات ومشروعات الإعمار. لكن نجاح اقتراع 2025 — بمعنى تنظيم انتخابات نزيهة، شفافة، وآمنة — يمكن أن يرسل إشارة إيجابية قوية إلى الداخل والخارج على حد سواء. الناخب العراقي يبحث اليوم عن حكومة مستقرة قادرة على اتخاذ قرارات اقتصادية حاسمة. والمستثمر الأجنبي والمحلي ينتظر وضوح الرؤية السياسية قبل ضخّ الأموال في مشروعات جديدة. وبالتالي، فإنّ نجاح الانتخابات لا يعني فقط اختيار برلمان جديد، بل تجديد الثقة في مؤسسات الدولة، وهو العنصر الذي يفتح الأبواب أمام الاستثمار الطويل الأجل.
ثانيًا: مناخ الاستثمار خلال السنوات الماضية، شهد العراق تراجعًا في بعض مؤشرات بيئة الأعمال، نتيجة للبيروقراطية، والفساد الإداري، وعدم استقرار السياسات الاقتصادية. لكن الحكومة الحالية وضعت منذ عام 2023 إطارًا إصلاحيًا ضمن ما يُعرف بـ(رؤية العراق 2050)، التي تركز على تحسين مناخ الاستثمار وتنويع الاقتصاد عبر دعم قطاعات الصناعة والزراعة والطاقة المتجددة والنقل.
نجاح العملية الانتخابية في 2025 قد يُسهم في تسريع تنفيذ هذه الرؤية، من خلال: * منح الحكومة المقبلة شرعية قوية لتطبيق الإصلاحات. * إعادة تنشيط ثقة الشركات الأجنبية العاملة في العراق. * ضمان تمرير الموازنات الاستثمارية دون تأخير. ومن أبرز المشروعات المتوقع أن تشهد دفعة جديدة إذا تحقق الاستقرار السياسي: مشروع (طريق التنمية)، الذي يربط البصرة بتركيا وأوربا، ومشروعات المدن الجديدة، والمناطق الصناعية الحرة، وخطط الطاقة الشمسية في المحافظات الجنوبية.
ثالثا: تنويع الاقتصاد يُشكّل النفط أكثر من 90 % من إيرادات العراق، وهو ما يجعل الاقتصاد هشًّا أمام تقلبات أسعار الطاقة العالمية. لكن رؤية العراق 2050 تسعى إلى تحويل الاقتصاد من ريعي إلى إنتاجي، عبر تنمية قطاعات الزراعة، والصناعات التحويلية، والخدمات اللوجستية، والطاقة المتجددة.
نجاح الانتخابات سيمنح الحكومة المقبلة تفويضًا لتطبيق سياسات تنويع حقيقية، أبرزها: * تطوير الشراكات مع القطاع الخاص المحلي. * دعم التعليم التقني والمهني لتأهيل القوى العاملة. * إنشاء بيئة تشريعية تحمي المستثمرين وتقلل الفساد. إنّ توفر برلمان مستقرّ وحكومة متماسكة يمكن أن يسهما في تمرير القوانين الاقتصادية العالقة منذ سنوات، مثل قانون النفط والغاز وقانون الاستثمار الموحد، اللذين يشكلان حجر الأساس لأي تحول اقتصادي طويل الأمد.
رابعا: التنمية المحلية نجاح العملية الانتخابية يعني بالضرورة ضمان انتظام الموازنات العامة، وهو عامل أساسي لاستمرار المشروعات التنموية. العراق يملك اليوم أكثر من 1200 مشروع قيد التنفيذ في مجالات الطرق والمياه والطاقة والإسكان، كثير منها توقف أو تأخر بسبب أزمات سياسية وتمويلية.
في حال نجاح الانتخابات وتشكيل حكومة مستقرة، ستتمكن الوزارات والمحافظات من استئناف العمل في المشروعات المتوقفة، خصوصًا: * مشروعات الإسكان الكبرى مثل (مدينة الرفيل) و(مدينة بسماية الجديدة). * مشروعات الطاقة المتجددة بالشراكة مع شركات إماراتية وصينية. * تطوير الموانئ الجنوبية ومناطق الترانزيت على طريق التنمية. كما أن عودة الثقة بين الحكومة المركزية والمحافظات ستمكّن من تعزيز اللامركزية الاقتصادية، ما يتيح لكل محافظة وضع خطتها التنموية الخاصة ضمن الإطار الوطني لرؤية 2050. خامسا: رؤية 2050
تهدف رؤية العراق 2050 إلى بناء اقتصاد مستدام يعتمد على الابتكار والتكنولوجيا والطاقات المتجددة.
لكن نجاح هذه الرؤية يتطلب استقرارًا سياسيًا متواصلًا لعقود، وتوافقًا بين القوى السياسية على سياسات طويلة الأمد تتجاوز الحسابات الانتخابية.
نجاح اقتراع 2025 قد يشكل المرحلة التأسيسية لهذه الرؤية، لأنه سيمنح الحكومة المنتخبة شرعية لبدء الإصلاحات في مجالات التعليم، والبيئة، والطاقة، والمياه.
كما سيساعد في إعادة ترتيب الأولويات الإنفاقية بحيث تتجه نحو التنمية المستدامة، بدلًا من الإنفاق الاستهلاكي القصير المدى. إذا ترافقت الانتخابات الناجحة مع إصلاح إداري جاد، ومكافحة فعّالة للفساد، وتحسين شفاف للموازنات، فإن العراق قد يدخل عقدًا جديدًا من النمو القائم على الكفاءة، لا على الريع فقط. عقد اقتصادي جديد
يمكن القول إن نجاح العملية الانتخابية في العراق عام 2025 لا يمثل مجرد إنجاز سياسي أو ديمقراطي، بل فرصة اقتصادية وتاريخية لإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة، وإطلاق مرحلة جديدة من التنمية المستدامة.
فإذا استطاعت الحكومة المقبلة تحويل الزخم الانتخابي إلى زخم إصلاحي وتنفيذي، ونجحت في خلق بيئة استثمارية آمنة وشفافة، فإن العراق سيكون أمام فرصة حقيقية للانتقال من اقتصاد هشّ يعتمد على النفط، إلى اقتصاد منتج متنوع يقود التنمية حتى عام 2050 وما بعده.
الانتخابات الناجحة ليست نهاية الطريق، بل بدايته الحقيقية المتمثلة بطريقي التنمية، والأمل.
