100%
أربيل / خالد إبراهيم
الفن مرآة ناطقة تعكس ملامح الشعوب وعمق حضاراتها؛ فهو لغة عالمية تعبّر عن القيم، والآمال، والهويات. من جدران الكهوف إلى مسارح المدن الحديثة، ظل الفن رفيق الإنسان في رحلته الطويلة، يدوّن مشاعره، ويخلّد تاريخه، ويمنحه نافذة تطل على الجمال والحرية. وفي زمن تتسارع فيه التحولات، يبقى الفن الوجه الناصع للمجتمعات، يكشف عن مستوى رقيّها، ويدلّ على نضجها الثقافي والإنساني.
مرآة الواقع
الدكتور آري قادر، أستاذ الموسيقى في كلية الفنون الجميلة بأربيل، تحدث عن أهمية الفن قائلاً: "يعبر الفن عن المجتمعات التي ينطلق منها، فهو يصور واقعها، سواء كان فرحًا أو حزنًا، أو غير ذلك. وتفاعل الناس مع الفن هو مؤشر على استقرارهم، وحبهم له، وقدرتهم على رؤية ذواتهم من خلاله. فالاستقرار الفني يمثل حالة مهمة جدًا".
ويضيف: "الجيل الحالي، برغم كل الإغراءات والبدائل، لا يزال محبًا للفن. نحن نوجهه وندعمه، ونرى أنه يعمل بإخلاص في اختصاصاته لخدمة الفن. "، مبيّناً أن العالم "أصبح منفتحاً بعضه على بعض، وهذا الانفتاح يخلق بيئة إيجابية تدفع العملية الفنية نحو الأمام. فعندما يمتزج الفن بالتكنولوجيا والإنترنت، ومع التمازج الثقافي والدراسة الأكاديمية، فإن النتيجة تكون مبهرة حتماً."
ويتابع: "أربيل، عاصمة إقليم كردستان، تُعَد نموذجًا رائعًا لتعدد الثقافات والتوجهات، ما يمنحها زخمًا فنيًا إضافيًا. هذه المدينة تفتح ذراعيها للجميع، وتستقبل الفن بكل أطيافه، ليعبّر كل فنان عن رؤيته الخاصة ضمن بيئة منفتحة."
ركيزة اجتماعية
أما الأستاذ هيوا عزيز، أستاذ قسم التشكيل في كلية الفنون الجميلة، فيؤكد على أهمية الفن في بناء المجتمعات المتقدمة، بقوله: "لا شك أن الفن هو أحد أهم دعائم المجتمعات. فكل مجتمع يهتم بالفنون بشكل عام هو مجتمع يحمل وجهًا مشرقًا، ويغرس في أفراده الثقافة والوعي والانفتاح. لكن لا يمكننا إنكار أن الظروف السياسية والاقتصادية تؤثر مباشرة على الفن".
ويشير عزيز إلى أنه "برغم التحديات، نمتلك نخباً فنية متميزة تعمل بجد في سبيل تطوير الفنون ودعمها. صحيح أن الوضع الاقتصادي قد لا يكون مساعدًا دائمًا، إلا أن العمل الفني مستمر بإصرار. ونطمح إلى مزيد من القاعات الفنية وصالات العرض، وتطوير أبنية الدوائر المختصة بالفنون، وتأهيل كوادر فنية قادرة على النهوض بالمشهد الفني نحو مستقبل أكثر إشراقًا."
وأكد "أما ما يخص الجيل الجديد، فهو جيل متمكن من أنواع الفنون المختلفة، ويمتلك رغبة حقيقية في تطوير ذاته. الظروف تغيرت، لكن الطموح لا يزال حاضرًا، والمستوى الأكاديمي للطلبة في ارتفاع مستمر، وهم يسعون بكل طاقاتهم نحو الإبداع والابتكار."
الواجهة الفنية
من جانبه، يوضح الفنان التشكيلي معتصم نجم الدين أن الحركة الفنية في أربيل شهدت تحوّلًا كبيرًا منذ تأسيس معهد الفنون، ثم كلية الفنون، حيث بدأت المدينة تأخذ موقعها ضمن المشهد الفني العراقي.
ويقول: "الحركة الفنية في أربيل تطورت أكاديميًا، وأصبح لدى الناس وعي أكبر بقيمة الفن. في السابق، كان الاهتمام يقتصر على المشاهدة عبر التلفاز، أما اليوم فالناس يتابعون الفن بشكل مباشر من خلال المعارض، ودور السينما، والمسارح".
ويضيف: "تشهد أربيل، سنويًا، معارض فنية عالمية وعربية ومحلية، يشارك فيها كبار الفنانين. كما أن المدينة تحتضن فنانين متميزين، ويمكن مقارنتها الآن ببغداد والموصل والسليمانية من حيث النشاط والحراك الفني. أربيل التي كانت في السابق بعيدة عن الصدارة، أصبحت اليوم في الواجهة بجدارة."
ويردف قائلًا: "كما بدأت ملامح الفن تظهر جلياً في تفاصيل المدينة، من خلال الجداريات، والتصاميم، والمنحوتات، والفن التشكيلي. وبرغم أن الأعمال الفنية المعروضة قد تكون لفنانين محليين، إلا أنها تحمل قيمة عالمية عالية، وتعبّر عن ذائقة رفيعة".
الفن ليس فقط وسيلة للتعبير، بل هو أداة للتغيير والارتقاء. من خلاله تُبنى الجسور بين الشعوب، وتُكتب ذاكرة الأمم. وإذا كانت المدن تُقاس برقيّ عمرانها، فإن رقيّها الحقيقي يُقاس برفعة فنونها، وسموّ ذائقة ناسها. أربيل مثالٌ واضح على مدينةٍ تسير بخطى واثقة نحو أفق فنيّ مشرق، متسلحةً بالإبداع، والوعي، والانفتاح.