عباس عبدالرحمن
يُعدّ العراق أحد أهم اللاعبين في سوق النفط العالمي، ليس فقط بفضل احتياطياته الضخمة التي تتجاوز الـ 145 مليار برميل، بل أيضًا بسبب موقعه الجغرافي وقدرته على تزويد الأسواق الآسيوية والأوربية بنفط عالي الجودة. مع تصاعد النقاش داخل منظمة أوبك وحلفائها (أوبك بلاس) حول الحصص الإنتاجية، يجد العراق نفسه أمام معادلة دقيقة: كيف يمكن له أن يرفع صادراته النفطية دون أن يُخِلّ بتوازنات السوق أو يَخرق التزاماته داخل المنظمة؟ طموح متجدد منذ بداية عام 2025، أظهر العراق رغبة واضحة في تعزيز قدراته التصديرية، فقد أعلنت شركة تسويق النفط العراقية (سومو) عن زيادة ملموسة في حجم الصادرات بعد تخفيف بعض القيود الطوعية المفروضة ضمن اتفاقات أوبك بلاس، وهو ما أدّى إلى ارتفاع إيرادات الدولة النفطية خلال الربع الثالث من العام. وتؤكد بغداد أن لديها الحق في المطالبة بحصة أكبر تتناسب مع طاقتها الإنتاجية التي تجاوزت في بعض الأشهر 4.5 مليون برميل يوميًا.
هذا الطموح لا يقتصر على التصريحات، بل يُترجَم إلى مشروعات ميدانية واسعة، تشمل تطوير الموانئ الجنوبية، وتنفيذ مشروع (حقن مياه البحر)، وتوسيع التعاون مع شركات عالمية لزيادة الطاقة الإنتاجية إلى ما يفوق الـ 6 ملايين برميل يوميًا خلال السنوات المقبلة. يمتلك العراق ثالث أكبر احتياطي نفطي في العالم، ما يمنحه قاعدة مريحة للتوسع الإنتاجي، خاصة مع دخول تقنيات حديثة ترفع معدلات الاستخلاص في الحقول القديمة. الطلب الآسيوي المتزايد
الأسواق الآسيوية — خصوصًا الصين والهند وكوريا الجنوبية — تمثل الوجهة الرئيسة للنفط العراقي. هذا الطلب المستقر يمنح العراق ميزة تفاوضية داخل أوبك بلاس، إذ يمكنه تسويق أية زيادة في الإنتاج بسهولة. استئناف ضخ النفط من الإقليم عبر خط جيهان التركي، ضمن إدارة مركزية من بغداد، قد يُضيف ما بين 400 و500 ألف برميل يوميًا إلى الصادرات الرسمية. مع اتجاه المنظمة إلى مراجعة التخفيضات الطوعية تدريجيًا، يُتوقّع أن يُسمح للدول ذات القدرات غير المستغلة — مثل العراق — بزيادة إنتاجها بشكل متدرج ومتوازن. رغم الإمكانات الهائلة، يواجه العراق مجموعة من التحديات البنيوية والسياسية التي قد تُعرقل طموحه في زيادة الحصة النفطية: * القيود التنظيمية في أوبك بلاس: أي تجاوز للحصة المحددة ضمن الاتفاق يُعد خرقًا يتطلب لاحقًا (تعويضًا إنتاجيًا)، ما يحدّ من مرونة بغداد في التوسع السريع. * محدودية البنية التحتية للتصدير: موانئ البصرة، بالرغم من توسعها، ما تزال تُشكّل عنق زجاجة في منظومة التصدير. أي خلل فني أو توتر أمني في الخليج يمكن أن يوقف التدفقات بشكل فوري. * الخلافات السياسية الداخلية: النزاع المزمن بين بغداد وأربيل حول إدارة الموارد النفطية وتوزيع الإيرادات يُضعف وحدة القرار النفطي ويُثبّط بعض الاستثمارات الأجنبية. * المخاطر الأمنية والإقليمية: موقع العراق في منطقة مضطربة يجعله عرضة لتقلبات أمنية، سواء بسبب النزاعات الإقليمية أو التوترات في الممرات البحرية. * الحاجة إلى تمويل ضخم: تطوير الحقول وتحديث البنى التحتية يتطلب مليارات الدولارات، في وقت تواجه فيه بغداد ضغوطًا مالية وبيئة استثمارية غير مستقرة. الإصلاح شرط النجاح القدرات الجيولوجية وحدها لا تكفي لتحقيق الطموح، فنجاح العراق في زيادة حصته يتطلب إصلاحات هيكلية تشمل: * تحديث التشريعات النفطية لجذب الاستثمار الأجنبي. * الشفافية والحوكمة في إدارة الإيرادات. * تسريع تنفيذ المشروعات الحيوية مثل مشروع حقن مياه البحر. * تعزيز التنسيق بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم لتوحيد السياسة النفطية.
كما أن المرونة في التعامل مع أوبك بلاس تُعد عاملاً حاسمًا لضمان أن الزيادة في الصادرات لا تُترجم إلى توتر داخل المنظمة أو ضغط على الأسعار العالمية. نظرة مستقبلية واقعية
على المدى القصير، من المرجح أن ينجح العراق في رفع صادراته بمقدار 200 إلى 300 ألف برميل يوميًا، خصوصًا بالتزامن مع استئناف صادرات كردستان وتحسين كفاءة موانئ الجنوب.
أما على المدى المتوسط، فإن الوصول إلى صادرات تقارب 5 ملايين برميل يوميًا يبدو هدفًا واقعيًا إذا ما استمرت الإصلاحات الفنية والسياسية بوتيرة مستقرة.
لكن أية زيادة أكبر ستظل مشروطة بتفاهمات داخل أوبك بلاس وباستقرار أمني واقتصادي يتيح استمرار الاستثمارات الأجنبية.
العراق اليوم يقف على مفترق طرق بين طموح مشروع لتوسيع حضوره النفطي العالمي وبين قيود تنظيمية وجيوسياسية صارمة.
إن نجاحه في زيادة حصته ضمن أوبك وأوبك بلاس لن يتحقق بقرارات أحادية، بل من خلال موازنة دقيقة بين المصالح الوطنية وضرورات التنسيق الدولي.
وإذا استطاعت بغداد أن تحافظ على هذا التوازن، فستكون السنوات المقبلة فرصة حقيقية لاستعادة موقعها كأحد أبرز مصدّري النفط في العالم، بما يتناسب مع قدراتها الطبيعية وطموحاتها الاقتصادية.