إعداد وترجمة: أحمد الهاشم /
أصبحت الأجهزة الرقمية ومنصات الإنترنت عناصر أساسية في حياتنا اليومية. ومع ذلك، يتعذّر تجاهل تأثيرها على وظائف الدماغ وقدراتنا المعرفية. إن تأثير الأدوات الرقمية على وظائف الدماغ والإدراك هو مجال دقيق حفّز المختصين والخبراء على إجراء بحوث مكثفة.
تشتيت الانتباه ينظر الشخص العادي متفحصًا هاتفه ما لا يقل عن 85 مرة في اليوم، وتتزايد التفاعلات السريعة مع الهاتف المحمول وتكرار تصفحه لتصبح أكثر اعتيادية. أظهرت الأبحاث أن البشر يمتلكون قدرة محدودة على الانتباه المستدام، ويمكنهم الحفاظ على التركيز بخصوص مهمة أو محفز معين لمدة زمنية محدودة فقط. ومع ذلك، فإن الصعود السريع للأدوات الرقمية، مثل الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي، وغيرها من أشكال التكنولوجيا، قد جلب تحديات جديدة في الحفاظ على التركيز المستدام، وجعل من السهل أكثر من أي وقت مضى أن نكون في حالة تشتت دائم ومستمر. ويعد إرهاق الانتباه أحد أهم التحديات التي يفرضها العالم الرقمي. ويحدث عندما تتجاوز محفزات البيئة المحيطة بنا قدرتنا على الانتباه. زيادة التوتر تعدّ ظاهرة "الانتباه الجزئي المستمر" عَرَضًا من أعراض إرهاق الانتباه. يشير الانتباه الجزئي المستمر إلى حالة انشطار الانتباه وتحويله باستمرار بين مهام أو محفزات متعددة، من دون الانغماس الكامل في أي منها، أو المشاركة الجزئية فقط فيها. يمكن أن تؤدي هذه الممارسة إلى فهم سطحي للمعلومات وقدرة منخفضة على التركيز في أية مهمة أو معلومة واحدة. يمكن أن تكون عواقب الانتباه الجزئي المستمر ضارة بالأداء المعرفي والرفاهية العامة، كما يمكن ان تؤدي إلى انخفاض الإنتاجية وانخفاض الاحتفاظ بالذاكرة وزيادة مستويات التوتر. وثمة تعدد المهام، الذي يعني الأداء المتزامن لمهمتين أو أكثر، وقد تؤدي القدرة على تعدد المهام إلى الشعور بالإنتاجية، لكنها يمكن أن تؤدي أيضًا إلى انخفاض القدرة على التركيز، وضعف الاحتفاظ بالمعلومات. علاوة على ذلك، يمكن أن تؤدي الرغبة المستمرة في البقاء على اتصال، والرد على الإشعارات، إلى تشتيت التفاعل في الحياة الواقعية، وخلق شعور متناقص بالحضور، حتى في تعاملنا، بعضنا مع بعض، وجهاً لوجه، ما يعيق الانخراط العميق والتعاطف في العلاقات الشخصية. عوامل مساهمة هناك عدة عوامل تسهم في إرهاق الانتباه، منها التصميم المقصود للأجهزة والمنصات الرقمية. فالكثير منها مصمم خصيصاً ليكون شديد الجاذبية، مستخدمًا ميزات مثل الإشعارات والتنبيهات والمحتوى المخصص والتذكيرات وعناصر الألعاب لجذب انتباه المستخدمين. على سبيل المثال، يتأتى التصفح المتواصل من ميزة "التمرير اللانهائي" للأسفل والتشغيل التلقائي للفيديوهات. وبالمثل، يهدف استخدام الألوان الزاهية والرسوم المتحركة والعناصر التفاعلية في تصميمات التطبيقات إلى تحفيز المستخدمين والحفاظ على انخراطهم بالتصفح. مخزون لا نهائي يسهم عامل آخر في إرهاق الانتباه في العالم الرقمي، هو حجم المعلومات الهائل المتاح. إذ يوفر الإنترنت إمكانية الوصول إلى مخزون لا نهائي من المعلومات، وتولد منصات التواصل الاجتماعي تدفقًا متزايدًا باستمرار من المحتوى. يمكن لوفرة المعلومات أن تخلق شعورًا بالإلحاح للبقاء على اتصال واطلاع، ما يؤدي إلى الانتباه الجزئي المستمر وتعدد المهام. تظهر الأبحاث أن الإشعارات والتنبيهات من الأدوات الرقمية يمكن أن تعطل الانتباه وتضعف الأداء المعرفي. فرط الحركة حصل الأطفال، الذين استخدموا الأدوات الرقمية لأكثر من ساعتين في اليوم، على درجات أقل في الاختبارات الإدراكية من أولئك الذين استخدموها بشكل أقل. وعلى الرغم من أن ألعاب الفيديو يمكن أن تحسن جوانب معينة من الانتباه، مثل الانتباه الانتقائي والمعالجة البصرية المكانية، إلا أن الاستخدام المفرط لها قد يؤدي أيضًا إلى صعوبات، مثل انخفاض الانتباه المستمر وزيادة التشتت، خاصةً لدى الأطفال. ولوحظ ارتباط انخفاض التحصيل الأكاديمي بالمستويات المرتفعة لاستخدام الوسائط الرقمية، ولاسيما تعدد المهام باستخدام أجهزة متعددة. ترتبط المستويات المرتفعة من الوقت الذي يقضيه الأطفال أمام الشاشات، ومن ضمن ذلك مشاهدة التلفاز وألعاب الفيديو واستخدام الكمبيوتر، بزيادة احتمالية الإصابة بأعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه. إن الأفراد، الذين يستخدمون أجهزة رقمية متعددة في وقت واحد، لديهم كثافة منخفضة للمادة الرمادية في القشرة الحزامية الأمامية، وهي منطقة دماغية مرتبطة بالتنظيم المعرفي والعاطفي، ما يشير إلى أن استخدام الوسائط الرقمية قد يكون له تأثير سلبي على بنية الدماغ ووظيفته.