إشكالية (الكم والنوع) .. امتحان المعادلة الصعبة

ثقافية

إشكالية (الكم والنوع) .. امتحان المعادلة الصعبة
100%
رضــا الـمـحـمــداوي فرضَت هذه الثنائية الفنية نفسها على المشهد الدرامي العراقي في الموسم الرمضاني لهذا العام، وظهر الفرق واضحًا بين العدد المتزايد من الأعمال الدارمية المعروضة على الشاشة، وبين الانحسار والتراجع للعمل الدرامي النوعي المتميز. ولا بدّ من الإقرار، هنا، أنه من الصعب تحقيق الموازنة بين طرفي هذه المعادلة غير المتكافئة، أو التحكم بنتائجها، وذلك بسبب دخول عوامل عدة ومؤثرات في آليات عمل ومخرجات هذه المعادلة الصعبة. ربما تكون الموسمية الإنتاجية المحدودة الحاكمة، مع وجود المنافسة التجارية، هي من الأسباب التي تدفع ببعض الشركات المنفِّذة للأعمال الدرامية، وحلقاتها الإنتاجية العاملة داخلها، إلى السرعة في الإنجاز، وعدم الالتزام بمعايير الجودة الفنية. وغالباً ما تكون النتيجة النهائية ضعفًا عامًا وفقرًا وشحوبًا إنتاجيًا واضحًا في الأدوات والمستلزمات الإنتاجية، فضلًا عن تأثير العلاقات الاجتماعية والعائلية والشخصية، حين ينتقل ذلك إلى الشاشة من خلال تكرار بعض الوجوه والأسماء بما يشبه عقد الاحتكار الفني! وبما أنَّ بعض الشركات قد حصلت على ما يشبه عقود احتكار مع القنوات الفضائية، لذا فإنها قد اتكأتْ على حائط الكسل والتراخي، طالما أنَّ فرص إنتاجها الفني قد أصبحتْ مضمونة، ونموذج أو نمط إنتاجها بات مطلوبًا ومرغوبًا من قبل الجهات المُمَوّلة، ولذلك فإنها تكاد لا تبذل أيّة جهود فنية تُذكر لغرض تنويع أساليبها الفنية، أو محاولة النهوض بالمستوى الفني العام لأعمالها، بالرغم من فرص العمل المتعددة التي تحظى بها. وستبقى المستويات الإنتاجية تسير وفق هذا المنحى، أو الخط البياني، ما لم تتوفر الظروف الإنتاجية والفنية لدخول شركات فنية فتية جديدة، وتتسع دائرة الإنتاج التلفزيوني لتسجيل شركات إنتاج تابعة للقطاع الحكومي، أو المختلط، تسعى لتقديم مواصفات فنية عالية وناضجة تفضح بها عيوب وأخطاء الشركات الفنية ذات المستوى المتهافت. انتحال صفة ومما زاد في حدة هذا الظاهرة، المتمثلة بغزارة الإنتاج وشحة النوع الفني، هو التطور التكنولوجي الحاصل، سواء في عالم الاتصالات والتواصل الإلكتروني، أو في تطور الأدوات والمستلزمات الداخلة في صناعة الأعمال الدرامية، بالتزامن مع تفاقم ظاهرة عمليات سرقة الأفكار واقتباسها، وانتشار ظاهرة الاستنساخ من خلال (النسخ واللصق)، وشيوع عمليات السطو والاختلاس الدرامي من المسلسلات التركية والإيرانية والمصرية وغيرها. وهو الأمر الذي شجّع بعض الطارئين على انتحال صفة (التأليف) أو (الكتابة الدرامية) أو (التوليف)، في ظل هذه الفوضى الإنتاجية. فقد تزايدتْ أعداد المؤلفين، بدون وجود جهات رقابية فنية، أو مؤسسات رسمية، أو نقابية مهنية متخصصة، تحد من هذه الظاهرة، وتضع حداً لانتشارها أو استفحالها، إذ وجدنا بعض الأسماء (المنتحِلة)، التي طرحتْ نفسها بوصفها أسماء لمؤلفين دراميين، أو ( سيناريستات)، أو مشاركين في ورش الكتابة، دون إنجاز فني يُذكر، لكن الظروف الإنتاجية والفنية دفعتْ بهم إلى الواجهة دون استحقاق فني إبداعي حقيقي. معالجة ساذجة ونتيجة ً لهذه العوامل والأسباب والتأثيرات، وجدنا العديد من هذه النتاجات الدرامية تميل إلى السذاجة والرداءة والتناول السطحي، وإشاعة مفاهيم متخلّفة عن الحياة العامة، ومن ضمنها إشباع الأجواء الدرامية باستخدام العنف والرصاص والأسلحة النارية وأنواع الجرائم المتعددة، لتنتهي في المحصلة النهائية إلى ضعف مستوى المضمون العام، وارتباك المعنى. وغالبًا ما تُعوّل مثل هذه الأعمال الدرامية على إثارة الجمهور البسيط، من خلال طرح موضوعات سطحية وساذجة، هي الأخرى لا تتطلب جهدًا واضحًا للتفاعل مع أحداثها، أو التعاطف معها، حيث المتعة العابرة والأثر الفني الذي سرعان ما يزول. ولذلك وجدنا أنّ نسبة هذه الأعمال قد زادت حصتها ضمن هذه الغزارة الإنتاجية، لنرى الأعمال الفنية الباهتة التي يمكن وصفها بأنها عديمة الصلة أو ضعيفة العلاقة مع الواقع العراقي المضطرب بأزماته المتلاحقة. ردم الفجوة إنّ هذه الإشكالية الدرامية القائمة بين الكم المتزايد من الأعمال الدرامية، مع القلة القليلة من الأعمال النوعية، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمستوى الثقافي لدى الجمهور العام، وكذلك بما يمكن أن تقوم به النخبة الثقافية المتمثلة بالصحافة الفنية والكتابات النقدية الناضجة، من خلال تسليط الأضواء على الأعمال ذات المستوى الرفيع والمضمون الملتزم، وتبيان أهميتها ومناقشة مضامينها، على أن يكون الهدف المنشود لمثل هذه الجهود الثقافية المبذولة هو ردم الفجوة الكبيرة بين الكم والنوع، والعمل على حث وتحفيز القنوات المموِّلة والجهات الإنتاجية الأخرى، ومعها شركات الإنتاج الفني، على تغيير قناعاتهم، وتغيير بوصلة التوجّه الفكري لديهم نحو التبدّل والتحوّل نحو الفن الملتزم ومستلزماته ومعاييره الجمالية والفكرية الناضجة، والانحياز إلى جهة الواقع العراقي والالتصاق به، ومحاولة التعبير عن أزماته وهمومه في سبيل تغييره في ظل هذا الإيقاع المتسارع لطبيعة الحياة، وما تشهده من تحوّلات وتبدّلات هائلة في كافة المناحي والمستويات بسبب هذا التطور التكنولوجي المستمر وتداعياته الاجتماعية.

إقــــرأ المــــزيــــــــد

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال
تحقيقات

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي
تحقيقات

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي

حياة بلا تواصل اجتماعي..  هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟
تحقيقات

حياة بلا تواصل اجتماعي.. هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟
تحقيقات

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي
تحقيقات

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"
تحقيقات

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"

أبرز الأخبار

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

قصة إعدام الفنان صباح السهل

قصة إعدام الفنان صباح السهل

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج