100%
رضــا الـمـحـمــداوي
ضمن مبادرة دعم الدراما العراقية التي أطلقها السيد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في العام الماضي2024، وما زالت أعمالها مستمرة حتى الآن، كان هناك مشروع درامي، أو خطة إنتاجية تتضمن إنتاج 30 ثلاثين عملًا دراميًا مما يعرف لدينا بـ (التمثيلية التلفزيونية). هذا بالإضافة إلى مجموعة المسلسلات التي جرى إنتاجها وعرضها في موسم رمضان الدرامي الماضي.
من ضمن أهداف ومساعي هذا المشروع الدرامي إحياء الإنتاج الدرامي في المحافظات العراقية كافة (عدا محافظات إقليم كردستان العراق)، حيث كان من المقرر، وضمن خطة الإنتاج في مخططها الأوّلي، إنتاج تمثليتين لكل محافظة، ليصبح المجموع ثلاثين تمثيلية، لكنَّ عجلة إنتاجها اصطدمتْ ببعض العقبات الإنتاجية والفنية وتعثر المشروع. إلاّ أنَّ الأيام الأخيرة حَملت لنا خبر معاودة لجنة دعم الدراما البدء بتنفيذ هذا المشروع في محافظة ديالى، من خلال إنتاج تمثيلية، أو الفيلم التلفزيوني (لو خُليتْ..)، للمؤلف باسل شبيب، وإخراج عسل عطا، وتمثيل آسيا كمال وأحمد حمود وباسل شبيب ومجموعة أخرى من فناني المحافظة.
وبالرغم من التباين الكبير في استخدام المصطلحين، أو المفهومين الدراميين، لـ (التمثيلية التلفزيونية) و (الفيلم التلفزيوني)، والفروقات الفنية الكبيرة بينهما، إلا أنني أجدُ في قيام لجنة دعم الدراما بإعادة الاعتبار لهذا النمط الإنتاجي (التمثيلية)، من خلال إعادة إحياء إنتاجه من جديد، مُناسبة فنية لتسليط الأضواء على هذا النوع الدرامي، واستذكار محطات وعناوين بقيتْ خالدة في ذاكرة الدراما العراقية، بجهود مؤلفين ومخرجين وفنانين يشهد لهم الوسط الفني بالريادة والإبداع والبصمة الفنية المتميزة.
تمثيليات في الذاكرة
لقد عاشتْ (التمثيلية التلفزيونية)، أو ما شاعَ عليها اصطلاحًا في العرف التلفزيوني عندنا بالعراق بـ (السهرة التلفزيونية)، عصرها الذهبي في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، واستمرّ إنتاجها في العقد التسعيني. لكن مع توالي سنوات ذلك العقد تقلص إنتاج هذا النمط من الأعمال الدرامية، وانحسرَ وجوده على شاشة التلفزيون، إلى أن اختفى تمامًا وأصبح الآن نوعًا دراميًا منقرضًا.
وبوجود قناة تلفزيونية واحدة في العراق كله، أو قناتين في أفضل الأحوال، في تلك الحقبة التأريخية المُهمة من تاريخ التلفزيون لدينا، كانتْ (التمثيلية) تُعدُّ إنجازًا فنيًا مُهمًا، وتجدُ لها جمهورًا واسعًا وعريضًا يبقى يترقب عرضها أسبوعيًا، ويطمع في المزيد منها.
من هنا حَظيت تلك (التمثيليات) التلفزيونية بفرصة المشاهدة الذهبية، التي رسّختْ حضورها في ذاكرة مشاهديها ومتابعيها، وعمّقت التعاطف مع موضوعاتها وأفكارها. وما زالت عناوين تلك (التمثيليات) ترنّ في ذاكرتنا، وتتراءى أمامنا وجوه ممثليها وأسماء مخرجيها ومؤلفيها، من مثل تمثيلية (رائحة القهوة) و (مسألة خاصة في مكتبة عامة) و(عبود يغني) و(بلابل) و(طيور البنجاب) و(أجنحة الرجاء)، وغيرها الكثير من العناوين. وقد جسّدت تلك(التمثيليات)، بالنسبة إلى ذلك الجمهور التلفزيوني المُتعطش لها، النافذة الواسعة التي يطلُّ من خلالها على المشهد الحياتي لذلك المجتمع في تلك الحقبة، وأهم موضوعاته وقضاياه المطروحة.
موجة ضئيلة في بحر هائج
وممّا شجع على الاستمرار في إنتاج ذلك النوع الدرامي في تلك السنوات البعيدة هو التكلفة الواطئة للإنتاج، مع البساطة الفنية من حيث الأفكار المطروحة وطبيعة المعالجة الإخراجية، بل وحتى الأداء التمثيلي للممثلين، لكن مع ارتفاع تكاليف الإنتاج، وتغيّر طبيعة المجتمع العراقي، والمنعطفات والتغيّرات التاريخية الكبيرة التي مرَ بها، إضافة إلى أن الجمهور العراقي قد شاهد وتعرّف وتفاعل مع النتاجات التلفزيونية والسينمائية الضخمة، ولاسيّما مع طوفان البث الفضائي وانتشار القنوات الفضائية، العراقية منها والعربية، وكثرة الاختيارات التي اصبحت طوع أصابع ذلك الجمهور وهي تضغط على أزرار الـ (الريموت كونترول)، وأخيرًا جاء غزو الإنترنت والمنصات الفنية ومواقع الأفلام السينمائية وشيوع تطبيقيات ووسائل التواصل الاجتماعي. وسط هذه التغيرات والتحولات الكبيرة لم تَعُدْ (التمثيلية) موضع استقطاب وجذب للمتلقي، كما أن (التمثيلية)، بمواصفاتها الفنية المتواضعة، أصبحت أثناء عرضها على شاشة التلفزيون، في خضم ذلك الطوفان الدرامي الهائل، عُرضة للضياع، مثلما تضيع موجة ضئيلة في بحر هائج.
وعند هذه النقطة بالذات، يتوجّب التوقف للإقرار بتغيّر واختلاف ذائقة الجمهور العراقي الجديد الذي عاش البث الفضائي التلفزيوني وشيوع استخدام الإنترنت وتطبيقاته بعد عام 2003، إذ أصبح هذا الجمهور -بأجياله الجديدة- ملولًا وذا مزاج متقلب، بل بات من الصعب إرضاؤه بعرض تمثيلية قصيرة ذات إنتاج متواضع في ضوء الاختيارات الدرامية والفنية التي أصبح يمتلكها بين أصابعه، حيث تعجّ الفضائيات والقنوات المتخصصة بالدراما التلفزيونية والأفلام السينمائية بعرضها المستمر لنتاجاتها طوال ساعات الليل والنهار ومجانًا بدون مقابل.
اللقطة الأخيرة
وفي واحدةٍ من مراحل تطورها، وقبل أن تغادر محطتها الأخيرة، كانت (التمثيلية التلفزيونية)، وتحت ضغط أسباب كثيرة، وللضرورة الفنية والإنتاجية، قد تحولت إلى نمط إنتاجي وفني جديد بات يُعرفُ الآن بـ (الفيلم التلفزيوني)، وهو ما سوف أتوقف عندهُ في الحلقة المُقبلة من هذه الزاوية، إن شاءَ الله.