100%
نرمين المفتي
لم تكن الشركات التي أغلقت أبوابها، أو سرّحت موظفيها في العقدين الأخيرين، شركات فاشلة، ولم يكن العاملون فيها أقل كفاءة أو التزامًا. إنما العالم من حولهم تغيّر، ولم يستطيعوا هم التغيّر بالسرعة ذاتها. فقد دخلنا عصرًا جديدًا لا يشبه ما قبله: التحول الرقمي والأتمتة، والآن الذكاء الاصطناعي، حيث لم تعد الخبرة وحدها كافية، ولا الشهادات ضمانًا، ولا حتى التاريخ الطويل صكّ أمان.
نحن اليوم نعيش ثورة لم تشهد البشرية لها مثيلًا من قبل، التعليم الرقمي، الطب الروبوتي، الاقتصاد المعرفي، والعملة الرقمية، وغيرها، وكلها ليست عناوين مستقبلية، بل واقع يومي يتغلغل في كل تفاصيل حياتنا. تتغير المهن، والمهارات المطلوبة تتبدل، وحتى مفهوم (الوظيفة) لم يعد كما نعرفه. في السنوات العشر المقبلة، ستتأثر معظم المهن، من الطب إلى التعليم، ومن القانون إلى الهندسة.
وربما يبرز سؤال قاسٍ، لكنه ضروري: كيف نحافظ على مكاننا وسط كل هذا التغير السريع؟ والجواب: ليس في مقاومة التغيير، بل في اعتناقه.
التكيّف لم يعد خيارًا، إنما ضرورة حياتية. ليس لأننا ضعفاء، بل لأن الجمود لم يعد ممكنًا. نحن بحاجة إلى أن نعيد تشكيل ذواتنا، أن نكسر قوالبنا القديمة وننحت أخرى جديدة. أن نستثمر في التعلم، لا لنحصل على شهادة جديدة، بل لنحيا حياة جديدة. أن نتصالح مع فكرة أن ما تعلمناه منذ سنوات قد لا يصلح اليوم، وأن الشغف وحده لا يكفي، إن لم نرفقه بخطوات عملية.
لا أقول لنحاول، إنما لنقبل هذا التحول ولا نخشاه، ولا ننسى أن التكنولوجيا التي أزاحت بعض الوظائف، قد فتحت أبوابًا لآلاف غيرها. المهم أن نمتلك الجرأة لنعبر من بابٍ إلى آخر، وأن نثق بأن قدرتنا على التعلّم والتأقلم هي أثمن ما نملك.
التغيير لا يعني أن نلغي ما كنّاه، بل أن نعيد اكتشاف أنفسنا فيه. أن نحمل معنا قيمنا، ونغلفها بأدوات العصر. أن نحفظ الإنسان فينا، حتى ونحن نعيش بين الحواسيب والروبوتات، فالذكاء الاصطناعي يكتب ويحلّل ويشخّص، لكنه لا يشعر ولا يتألم ولا يحلم. نحن فقط من نملك هذه القدرة، وهذه مسؤوليتنا.
فلنكن مرنين لا متكسرين، متجددين لا مترددين. فالعالم لا ينتظر من لا يتحرك، ولا يعتذر لمن تأخر عن قطار المستقبل، فالذي لا يتغير، سيتلاشى..