ريا محمود /
في وقتٍ يعلو فيه ضجيج السياسة، ويثقل فيه الغبار سماء العراق، يمرّ خبر مثل هذا بصمتٍ يكاد يكون غير عادل. طفلان من البصرة، من مدينة كانت دوماً مرادفاً للنفط والموانئ والحرائق، يصعدان إلى منصة التتويج العربية في تونس، ليس بالغناء ولا بالرياضة، بل في علم الروبوتات!
ياسين نبيل كاظم، من مدرسة (الأوحد النموذجية)، وشقيقته تبارك نبيل كاظم، من مدرسة (الفجر الجديد الدولية)، هما أكثر من مجرد اسمين في بيان صحفي لوزارة التربية. بل إنهما وجهان لعراق يحاول أن يحلم، يحاول أن ينهض بالعلم وسط كل ما يعرقل الحلم. في النسخة السادسة عشرة من البطولة العربية للروبوتات والذكاء الاصطناعي، التي استضافتها تونس مؤخراً بمشاركة أكثر من ألف متسابق من 18 دولة. لم يكن الأمر مجرد منافسة تقنية، بل كان اختباراً حقيقياً لطفلين حملا حقائبهما من البصرة إلى أرضٍ جديدة، ليبرهنا أن الذكاء لا يحتاج إلى بنى تحتية مثالية، بل إلى إصرار وعقل فضولي وبيت يؤمن بأطفاله. تبارك، الطالبة ذات النظرة الواثقة، كتبت في كواليس المنافسة ما يشبه المعادلة التي لا تُدرَّس في المدارس: "التعاون يسبق البرمجة، والثقة أهم من أية شيفرة." وياسين، بعينيه الصامتتين ولغته الرقمية، كان يشرح أمام لجنة التحكيم كيف يمكن لمجسٍّ صغير أن يحاكي حركة الإنسان. حصل الفريق العراقي، الذي ضمّ تبارك وياسين، على جائزة الحكّام عن جدارة الأداء العلمي والإبداعي، وهي جائزة لا تُمنح بالصدفة ولا للمجاملة، بل تُنتزع بفكرة جريئة وتنفيذ دقيق. لكن ما لم يقله البيان الرسمي هو أن هذين الطفلين لم يصلا إلى تونس بسهولة. فقد كانت خلفهما ساعات طوال من التدريب، وأب وأم جعلا البيت مختبراً مصغّراً، وطاقم تعليمي مؤمن بقدرة الجيل الجديد، ومنظمة مثل (أجيال التقنية) التي أخذت على عاتقها مهمة إعداد عقول علمية من قلب بيئة غير مستقرة. في زمنٍ تُرصد فيه الجوائز الكبرى في العراق للمناصب لا للمواهب، يلمع وسام صغير على صدر طفلين من البصرة. جائزة لم تُهدَ إليهما، بل انتزعاها عن قناعة، ليذكّرانا بأن الحلم العراقي – مهما بدا هشاً – ما زال ينبض في عقل صغير يفكك روبوتاً، ثم يعيد بناءه بشكلٍ أفضل.